يشير،أولا و أخيرا،سؤال نظرية الترجمة،سواء إلى استناد المترجِمِ على نظرية معرفية ترشد عمله وتوجِّه سعيه،أو عدم اكتراثه بضرورة تقيُّده بنظرية معينة أو نظريات، ويشتغل فقط من باب الشَّغف والحبِّ والرغبة والمتعة،مدرجا مبدئيا تمرين الترجمة ضمن غبطة هواجسه القرائية،بحيث يظلُّ السعي نفسه؛لذلك يترجِم مثلما يقرأ.
أيضا،يبرز سياق الإشكال المطروح،قضيتي الترجمة والتكوين المهني والتأهيل المؤسَّساتي الخاضع لمعايير أكاديمية صرفة،ثم المترجِم العصامي الذي ولج عوالم الترجمة ربما صدفة؛دون قرار مسبق.كما،أنَّ معرفته بما يفعل مستندة على عفوية الرغبة،بالتالي تبلور أسئلة حول الترجمة ضمن تباينات مرجعيات الفنِّ،الحرفة،الممارسة،الموهبة، الشغف،النظرية،الخبرة،الصياغة،الممارسة التجريبية،تقوية الأدوات المعرفية،المهارات التأويلية،و أخيرا حدود الأمانة والخيانة.
استفسارات تنطوي عليها مختلف سياقات الترجمة،وتلزِم ضمنيا المترجِمِ كي يبدي وجهة نظره بخصوص حضورها ضمن ورشاته،مما يفرض عليه استلهام نظرية لعمله، بالعودة طبعا إلى تراث التَّرجمة كي يدرس ويتعلَّم،ويمكنه في الآن ذاته،مع تطوير خبراته وتراكم اجتهاداته ونضج تصوُّره،طرح مفهومه الخاص حول صيغ تحقُّق هذا الانتقال اللغوي من نصٍّ إلى آخر؟وكيف يعيش شخصيا تجربة الترحال تلك؟لذلك،بوسعه في خضم الاهتمام باستراتجيات الترجمة وفعلية التجربة،استعادة المتن النظري المهم الذي راكمته نظريات الترجمة أكاديميا بحيث قاربت الجوانب اللغوية والأسلوبية والتفسيرية والسيميائية والوظيفية والتأويلية والتداولية،فجاءت تلك النظريات كي تنعت بواحدة من هاته النعوت بناء على طبيعة منظورها للنصِّ الهدف أو المترجَمِ.
جوهرية استحضار هذا الجانب المفهومي،كمرشد للعمل،قصد تذليل مجموعة صعوبات تعترض حتما طريقة الترجمة،تتعلق بجدليات البنية النحوية والدلالية والمقامية والقارئ والمعنى والتواصل.مع ذلك،تظلّ علاقة الشغف بين المترجِمِ والنص،السَّند الأول والأخير قصد تحقيق الانجاز وفق الشروط المعرفية والأخلاقية المقصودة وهزم مختلف العوائق الموضوعية والذاتية،ومدى قدرته أو إخفاقه على مستوى خلق جسور الألفة بين المصدر والنسخة،ثم السَّعي صوب إحداث نفس الأثر الذي خلقه النص الأصلي،أو كما أوضح أحدهم نجاحه في إعفاء القارئ من العودة إلى النص الأول،مهمَّة تبدو خالدة أكثر خلال الحالات التي تفترض ندرة تداول الكتاب الأصلي لأسباب معينة،وكذا صعوبة بلوغه وتجاوز التناقض الحتمي القائم دائما،بين مقتضيات الأمانة والصياغة الجديدة تبعا لمقتضيات اللغة الثانية أو المستهدفة.
ريجيس دوبري مثقَّف يساري مشهور،فهو مفكِّر وصحفي وفيلسوف فرنسي معاصِر وأستاذ أكاديمي.شغل منصب أستاذ للفلسفة بجامعة هافانا في كوبا عامَ 1965، وفي تلك الفترة توطَّدت علاقته بتشي غيفارا،وسافَر إلى بوليفيا حيث انضمَّ إلى حركته الثورية. تولى مسؤولية عدد من المناصب السياسية؛فعُيِّن مستشارًا للرئيس الفرنسي فرنسوا ميتران في الشئون الخارجية عامَ 1981،ومستشارًا فخريًّا في المحكمة الإدارية العليا الفرنسية في مجلس الدولة،كما أسَّس المعهدَ الأوروبي للدراسات الدينية في عام 2002، وأشرف على رئاسةَ المجلس العلمي للمدرسة الوطنية لعلوم المكتبات والمعلومات في باريس.
من أبرز أعماله:''حرب العصابات''، ''القوة الفكرية في فرنسا''،''الكاتب: نشأة السياسة''،''نقد العقل السياسي''،''المدارس العلمانية''،''النار المقدَّسة''،''على جِسر أفينيون"، ''الثورة التشيلية،"ثورة داخل الثورة"،"محاربو غيفارا"،سلطة المثقفين في فرنسا" ،"دروس في الميديولوجيا العامة"،"حياة وموت الصورة"،"النار المقدّسة"،"خطأ في الحساب"، "القرن الأخضر"…
*مارك هالتر :كاتب وناشط فرنسي،يهودي من أصل بولوني،ألَّف عدة روايات تاريخية تطرَّقت لتاريخ الشعب اليهودي،ترجِمت إلى عدَّة لغات منها الإنجليزية والبولندية والعبرية…
باسكال بونيفاس :يمكن التأكيد من خلال أعمالكما الأخيرة أنَّ ريجيس دوبري يجسِّد ''تفاؤل العقل''،بينما يلوِّح مارك هالتر ب''تفاؤل الإرادة''.مارأيكما في هذا التصنيف؟
ريجيس دوبري :فعلا،لاأملك طاقة وقوة الأمل التي يضمرها مارك هالتر.وجب القول ببساطة بأنِّي أفتقد لنفس الإيمان.بناء على ملاحظاتي يلزمني الإقرار بالمأزق الذي تعيشه منطقة الشرق الأوسط.
مارك هالتر :أتَّفق مع هذه الملاحظة.لكني أتموقع في إطار منظور تاريخي.أساس مأساة البشر عدم توافق مفهوم الزمان في التاريخ مع سلَّم زمان الحياة الإنسانية.تخلِّد إسرائيل الذكرى الستِّين لإعلانها الاستقلال.سنوات اختزلتها الكتب المدرسية في بعض الأسطر.مع ذلك بالنسبة للإنسان،تعكس ستُّون سنة حياة بأكملها.قوام مأساتنا نفاذ الصبر الذي يغذِّي التشاؤم.من جانبي،أعتقد بأنَّ ستِّين عاما فضاء زمني تاريخي مقتضب جدا،بالتالي،كل ماتطلَّعنا إليه بوسعه التبلور.
باسكال بونيفاس :ماالمقاربة التي يطرحها ريجيس دوبري بخصوص هذا التباين بين تأمُّلِ الراهن وكذا الاستعراض التاريخي؟هل تعتقد،مثلما أوحيت قليلا في كتابكَ،بأنه حاليا قد فات الأوان،وكذا تحقُّق خلال فترة ما،منعطف قصد توجيه التاريخ حسب دلالة معينة؟
ريجيس دوبري :فيما يتعلَّق بالدولة الفلسطينية،تظهر الوضعية الحالية عدم إمكانية إنشاء دولة.بالتأكيد ملاحظة يمكن مناقشتها،لكن القدرة على التخلُّص من أربعمائة ألف مستوطنة تشمل القدس الشرقية وكذا الضفة الغربية،أظنُّه سعيا يحتاج إلى مقتضيات كبيرة،يصعب تصوُّرها،وربما عنيفة جدا.لقد انتقل مسار المستوطنات من منطق الوجبة الخفيفة إلى الضمِّ بكل بساطة.أتأسَّف من درجة هوس إسرائيل بأمنها على المدى القصير،من ثمَّة غياب فرص اندماجها الفعلي في المنطقة.بناء عليه،يعتبر جواب رفض مشروع الملك عبد الله،الذي طرح مبدأ''السلام مقابل الأرض"،مدمِّرا للغاية.عدَّة أصدقاء يهود عبَّروا لي عن شعور مفاده أنَّ لاأحد سنة 1950 كان في مقدوره التجرُّؤ على الحلم بتسوية من هذا القبيل.اقتراح المشروع قدَّم بديلا فيما يظهر مناسبا لأمن إسرائيل.ألاحظ مزيدا من الارتداد الإسرائيلي نحو معقل وتتقلَّص أكثر فأكثر إمكانية تحديد نفسها كدولة داخل المنطقة.يلزم التاريخ أيضا السماح باستخلاص بعض العِبَرِ.مجازفا بإظهار تشاؤم أكبر،بوسعي استحضار مثال الدول الصليبية،التي استمر وجودها فقط خلال مائة سنة :لماذا اتَّسم بكونه عابرا جدا؟يعود ذلك إلى عدم سعيها الفعلي نحو استيعاب ثقافات المنطقة أو على الأقل التأقلم معها.وضعية الشرق الأوسط غير مطمئنة : الفلسطينيون منقسمون،وتبدو السلطة الفلسطينية أكثر فأكثر مجرَّد طرفٍ تابع للغرب.
مارك هالتر :صحيح،لقد أضاعت إسرائيل فرصا.حتما يمكننا تفسير انطوائها ليس فقط بالبعد النفسي،بل أيضا استمرار الاعتراض على إسرائيل ،رغم قوة مشروع الملك عبد الله،من طرف مكوِّنات عدَّة في الشرق الأوسط.يصطدم دعاة إسرائيل إلى ''التطبيع''مع هذه وضعيتها الشاذة،أي دولة دائما تعيش اعتراضا،بالتالي تهديدا.يتغير رموز الرفض نحو وجود الدولة الإسرائيلية،صدام حسين سابقا،واليوم محمود أحمدي نجد،بينما يستمر التهديد.طبعا،يفضي التهديد بالاستئصال إلى الانطواء وكذا التحصُّن خلف وضعيات دفاعية. اجتمع داخل منزلي،للمرة الأولى،شيمون بيريز مع ياسر عرفات.كنت سعيدا،جراء الأمل الكبير الذي أحدثه هذا اللقاء.ظننت بأنَّنا قد أمسكنا أخيرا بفرصة العثور على تسوية نهائية،مع ذلك،أخفق المأمول.فعلا،هناك ضياع للفرص.لامس ريجيس دوبري نقطة أخرى، لاأتفق معها حقا.فكرة عجز إسرائيل عن الانتماء إلى المنطقة،ضمن حدود بلد مندمِجٍ. تمتلك إسرائيل شرعية تاريخية مهمَّة،تنعدم في خضمها إمكانية المقارنة مع المملكة المسيحية في القدس.لم يغادر اليهود أبدا تلك المنطقة،سوى خلال سيادة المسيحيين،وإخضاع اليهود للتفتيش في القدس واختفاء آخرين في الجليل.قبل قرنين،خلال زيارة الفيكونت دو شاتويريان إلى القدس،تحدَّث عن الشعب اليهودي باعتباره :''سيِّدا فعليا على تلك الأمكنة''.استمرت دائما مدينة القدس،منذ عهد الملك داود،مأهولة من طرف اليهود.اليهود شرقيون،وحتما صار بعض الشرقيين غربيين،مثلا ساكنة أبو ظبي،أو دبي،الذين أقاموا لديهم نسخة عن السوربون،ومتحفي اللوفر وغوغنهايم.تنمُّ هذه التحولات عن مناحي إيجابية بخصوص اندماج أفضل في عالم الغد.لكن مهما حدث،يعتبر الاسرائيليون جزءا من الشرق،مثلما يشهد على ذلك،تشابه حفلات الزفاف،الإسرائيلية والعربية.شخصيا ولدت في بولونيا،كان الناس ينظرون إلينا كمتوحِّشين،نتيجة تواصل منظومة سلوكاتنا كما لو أنَّنا نعيش في الشرق،مما ساهم خلال تلك الحقبة في كراهية اليهود من طرف البولونيين المسيحيين.نحن مشرقيون،بالتالي مفهوم الاندماج غير ملائم قصد وصف مقتضى يلزم على الإسرائيليين الرضوخ له.يلزمنا فقط تقاسم مابوسعه أن ينقدنا غدا :العلم، المعرفة، التاريخ، التقنية،وكذا عناصر أخرى تتيح إمكانية مواجهة تصحُّر هذه المنطقة
أكَّد دائما لزبنائه ومُجَالسيه،عبر أحاديثه المسترسَلة طيلة اليوم،بأنَّه بائع أعشاب راسخ،لايشقُّ له غبار،نهل من منبع الحرفة أباً عن خالٍ،من سلالة لأخرى داخل قبيلته وأهله،لذلك يحقُّ له شرعا شتم؛بل لعن المتطفِّلين على خيمياء الأعشاب،الذين ولجوا المجال خطأ،بالتالي لامجال كي يضع نفسه موضع مقارنة،لأنَّه صاحب علم وخبرة ودراية كافية بما يفعل،يلزم على رواده التحلي بالثقة التامة بخصوص مختلف الوصفات التي يقدِّمها،وظل ينعت ذاته بكونه طبيبا تقليديا،درس وتعلَّم مرجعيات متون المجال بين طيات مصادر خالصة استلهمها من أفواه فقهائه الأفاضل.
سرعان ماسطع اسمع العشَّاب داخل الحيِّ،أولا بقدرته الهائلة على حبك الكلام دون تلكُّؤ،ووصله بسياقات مقامية خلال حديثه تنمُّ عن ذكاء تواصلي مدهش،مما أتاح له في ظرف وجيز توسيع قاعدة ضيوفه لاسيما فئة الرجال،الذين قصدوه تباعا،مثلما يكشف بخيلاء،بهدف تحقيق مطلب أساسي يشكِّل أولوية الأولويات مقارنة مع باقي الحاجيات الأخرى،المقصود هنا تحديدا،ماتعرفه الأدبيات الشعبية بالفحولة الجنسية.
أخبره أغلبهم،حسب قوله دائما،بجملة أسرار و حكايا لم تختبر كنهها حقيقة سوى الحيطان الصمَّاء،وأنهم ولجوا عتبة الموت البطيء إذا لم ينقدهم بخلطته،على استعادة مناطقهم السفلى لتوهُّجها الشبابي،وفتوَّتها،ثم وصل حبل الودِّ ثانية مع زوجاتهم المتعبات.
ذاع صيت صاحبنا،بعد فترة قصيرة من تدشينه يوميات دكان أعشاب،فقد صادف حفل الافتتاح نجاحه في ترميم ثم استعادة هِمَّة أحد العابرين الذي أفرغ عليه هَمَّه،فأمدَّه مجانا بقارورة صغيرة احتوت على زيت مركَّزة جدا،فأوصاه بدهن الجهاز ذهابا وإيابا كي تستفيق عروقه وينهض من سباته،ثم ارتشاف جرعة صغيرة قبل كرنفال الجماع بفترة قصيرة،وحالما يسري المفعول بين ثنايا الشرايين،سيقدِمُ لامحالة على زوجته إقداما،وذلك ماحدث فعلا كما روى،فقد عاد ثانية كي يخبره بالنتيجة المذهلة إلى درجة أنَّ زوجته شرعت تقبِّل يديه بكيفية هستيرية في أوج الانتشاء،ووعده من باب الشكر والامتنان والدعاية،بتعميمه مضمون النتيجة بين صفوف أصدقائه ومعارفه.
فعلا،تحقَّق الوعد،فأضحى اسم العَشَّاب معلوما وجوده عند الساكنة،ليس فقط الرجال المعنيين بجدليات البرود والفحولة والعِنَّة،بل صارت تطرق بابه النسوة أيضا قصد استشارته في حيثيات الفراش ومايجري مجرى ذلك.
كان يتقن فنون اللغو،وقدرته على الإحاطة بحضور الآخر.بمجرد ولوج أحدهم عتبة دكانه،يقابله بابتسامة عريضة وترحيب مبالغ،ثم كأس شاي مقطَّر هيَّأه على إيقاع تحلُّل خيميائية أعشاب برِّية وبحرية؛حسب ادعاءاته دائما،كي تنطلق من هنا بعد رشفة أو رشفتين،عملية تنقية الجسم من العلل والأسقام التليدة،فيستعيد عافيته الجنسية حتى ولو كان صاحبه في أرذل العمر.
"من الضروري أن نكشف بلا كلَلٍ أمام الجماهير الكادحة لمختلف البلدان،لاسيما المجموعات المتخلِّفة،الخداع الذي تؤسِّسه القوى الامبريالية،بدعم من الطبقات التي تعيش حظوة داخل البلدان المضطَهَدَة،التي تتوخى الإيهام بكونها مستقلة سياسيا غير أنَّ حقيقة واقعها يؤكِّد تبعيتها الاقتصادية،المالية والعسكرية.يمكن استحضار نموذج واضح عن الخُدَع التي تعيشها الطبقة العمالية داخل البلدان الخاضعة عبر توافق مجهودات الامبريالية المتحالفة وكذا بورجوازية هذا البلد أو ذاك،أقصد تحديدا المسألة الصهيونية في فلسطين، وفق ذريعة خلق دولة إسرائيلية هناك،حيث عدد اليهود ضئيل،وجعلت الصهيونية العمال العرب السكان الأصليين،عرضة إلى الاستغلال الانجليزي''لينين(الأطروحة السادسة حول المسألة القومية والاستعمارية،المؤتمر الثاني للأممية الشيوعية،1920).
"تماثل مهمة إسرائيل في الشرق الأوسط نفس ماتقوم به الولايات المتحدة الأمريكية في فيتنام''(تصريح ليفي إشكول رئيس وزراء إسرائيل قبل وفاته سنة 1969 ).
نتيجة حرب فيتنام،صارت القضية الفلسطينية تشغل طليعة المشهد الدولي. مثَّلت لحظة اتخاذ الشعب الفلسطيني قرار حمل السلاح كي يحدِّد إراديا طبيعة مصيره،ثم تحرير وطنه من الاحتلال الصهيوني،موعد يوم مشهود،قصد إماطة اللثام عن واحدة من أكبر مظاهر الظلم التي عرفها التاريخ،والانكشاف حسب صورته الحقيقية أمام أنظار جماهير واسعة من الرأي العام الدولي.
لم تعرف أيّ قضية استعمارية طمسا مثلما حدث لفلسطين،فقد أدركت الصهيونية خلال فترة طويلة،كيفية المناورة قصد تعتيم الحقيقة وخداع وعي ملايين الأفراد في العالم، حدّ جعل أذهانهم غير مكترثة بتراجيدية الشعب الفلسطيني،الذي سُلِبَت أرضه،وجُرِّدَ من ممتلكاته،ثم اختزاله إلى مجرَّد''شعب لاجئ''يعيش تحت كنف''الصدقات الدولية''.
طيلة مدَّة،أدرك القادة الصهاينة بدهاء سبل اللَّعب على التناقضات بين الدول العربية،وكذا التناقضات الداخلية لهذه الأخيرة،وجوانب ضعفها،وأخطائها،لصالح نفوذ الامبريالية التي تضطهدهم،بناء دائما على هدف استراتيجي يسعى إلى توطيد الدولة الإسرائيلية انطلاقا من الأرض الفلسطينية،بعد قرار التقسيم الصادر عن الأمم المتحدة سنة 1947،فاقترفت بذلك أفظع خطأ في تاريخها.
حاليا تغيَّرت أشياء كثيرة.صارت المقاومة الفلسطينية تجسيدا و تعبيرا عن الشخصية الوطنية للشعب الفلسطيني،وحقِّه في استعادة أرضه المستلبة،ثم تأكيد إرادته لخوض معركة تحرير وطنية حتى آخر رمق،غاية تحقيقه تطلعاته الوطنية.
يتبدَّى بوضوح أكثر من أيِّ وقت مضى،الوجود المجحف للدولة الإسرائيلية،ليس فقط جراء تطور المقاومة الفلسطينية،لكن أيضا نتيجة تمدُّد الاستيطان الصهيوني نحو مناطق عربية أخرى منذ عدوان يونيو 1967،في إطار بلورة الحلم الاستعماري الصهيوني بخصوص''الإمبراطورية الإسرائيلية التي تمتدُّ من النيل إلى الفرات''.
تشكِّل جوهريا الإشكالية الفلسطينية،قضية تحرير وطني،وأضحت جزءا لايتجزأ من نزاع شامل يتوخى تصفية حركة التحرير العالمية ضمن صراعها مع الامبريالية والاستعمار.يستحيل على كل خدعة صهيونية،أو ادِّعاء ديماغوجي لبعض القوى الرجعية العربية،إخفاء هذه الحقيقة الحاسمة.تعتبر حركة التحرير الفلسطينية،الأولى التي أكَّدت ثانية المبدأ وبكيفية متواصلة،كما دفعت مناضليها نحو استلهام مرجعيات هذا الفكر.