مقالات نقدية ما الذي أحبُّه أكثر في الترجمة؟
2024 - 10 - 28

الترجمة تمرين حقيقي أقرب إلى المنحى الصوفي والنزوع الاشراقي،بخصوص الارتقاء بجوانب أخلاقية عدَّة على مستوى تكوين الشخصية الإنسانية،التي تحتاج من جهة إلى انفتاحها الدائم على التطوُّر بتطوير مشاريعها الذاتية كي تظلّ حيَّة متوقِّدة لاتقترب منها الموت،سوى متى أرادت ذلك.

من جهة ثانية،ولتحقيق هذا السعي الجدلي نحو السموِّ والاكتمال،نحتاج بالضرورة إلى حافز ودافع وملهم ومحرِّض،من ذلك الاشتغال على الترجمة واستلهام أبعاد هذا الفعل معرفيا وروحيا بالدرجة الأولى.

قراءات في كتب حوار المشرق والمغرب : حسن حنفي / محمد عابد الجابري(6 /6 )
2024 - 10 - 13

(القضية الفلسطينية)                                                                           ÙŠØ³ØªØ¹ÙŠØ¯ حسن حنفي المعطيات التاريخية التي توضِّح بأنَّ اليهود عاشوا،أكثر فتراتهم ازدهارا وطمأنينة وحيوية،خلال حقبتين :

          الأولى،بجانب المسلمين في الأندلس داخل قرطبة،غرناطة،طليطلة،وعرفت الفلسفة اليهودية أوج عطائها مع موسى بن ميمون،سعيد بن يوسف الفيومي،إسحاق الإسرائيلي، القس داود بن مروان،باهيا بن يوسف بن باقودة،ابن صادق القرطبي،يهودا هاليفي،إبراهيم بن داود هاليفي،إبراهيم بن عزرا.تميزت الحقبة بتقارب كبير بين الثقافة اليهودية والإسلامية على مستوى مجالات الشعر، اللغة، العقيدة، الفلسفة، الطب، التفسير، التصوف،الفلك.استمر هذا الوضع،غاية سقوط الحكم الإسلامي،الذي كانت من تداعياته الأساسية مكابدة اليهود والمسلمين للاضطهاد تحت سلطة محاكم التفتيش.

     Ø§Ù„ثانية،تحيل على عصر التنوير في فرنسا،وقد تعايش اليهود Ùˆ الأوروبين معا دون حساسية عنصرية أو تقوقع هوياتي،وحظي التراث اليهودي برمزيته الروحية يحمي كيانهم الثقافي والفكري من دواعي الإقصاء والانعزال. يقول حسن حنفي :"اليهود ثقافة عقلانية أخلاقية شاملة لافرق بينها وبين أي دين أو ثقافة أخرى تشارك في مبادئ التنوير العامة. واليهود مواطنون مثل غيرهم،متساوون في الحقيقة والواجبات.اليهودية إيمان بالله،وبالعناية الإلهية،وبخلود الروح.وهي بذلك تشارك الديانات الأخرى في العقائد دون تخصيص أو تمييز اجتماعي لطائفة على غيرها"(ص 119).

 Ø¹Ù†Ø¯Ù…ا نجحت الثورة الفرنسية،أعلنت سنة 1789 مبادئ وحقوق الإنسان في فرنسا من خلال شعار :''يولد الناس ويظلون أحرارا متساوين في الحقوق''.نتيجة ذلك،تمتَّع اليهود بالجنسية الفرنسية وكذا مختلف الحقوق المدنية،بعد قرار اتخذه المجلس الوطني الفرنسي، امتد تأثيره صوب بلدان أوروبية أخرى كألمانيا،هولندا،إيطاليا،سويسرا، النمسا، المجر، روسيا، الولايات المتحدة الأمريكية.أيضا،بادر نابليون سنة 1806،إلى إلغاء مختلف الأحكام الخاصة بالطائفة اليهودية وتنظيم حياتهم الاقتصادية والنظر إليهم باعتبارهم مواطنين فرنسيين يملكون نفس الحقوق.لكن بعد تراجع المدِّ التنويري،وظهور القوميات خلال القرن التاسع عشر،رفض اليهود الانتماء إلى أيِّ قومية أخرى غير قوميتهم الخاصة وبالتالي الانعزال بعيدا داخل الغيتو،فبدأت تتشكَّل أولى ملامح الصهيونية :''بعد مآسي النازية ووقوع الأخوة اليهود تحت أبشع اضطهاد عرفه التاريخ،وكرد فعل على حياة الجيتو وانعزال الطوائف اليهودية عن الأوطان التي يعيشون بها،هل تحقق قومية يهودية في دولة يهودية يحل المأساة؟وهل يمكن حل مأساة الشعب اليهودي بخلق مأساة أخرى،مأساة الشعب الفلسطيني؟إن السؤال مطروح الآن،كما كان مطروحا دائما.ولكن الإجابة أيضا موجودة في التاريخ ليس كحلم طوباوي يستحيل التحقيق بل كنظم سياسية واجتماعية عاشها اليهود مرتين، في إسبانيا مع المسلمين وفي الثورة الفرنسية مع قوانين نابليون"(ص 121).

مقالات نقدية هل الترجمة مهنة؟
2024 - 10 - 12

تحتمل مقاربة التساؤل المطروح أعلاه،جوابين ينطويان على معنى الإقرار والتأكيد،بأنَّ الترجمة فعلا مهنة،لكن الدلالة الضمنية تختلف على مستوى القيمة الأخلاقية لكل واحد من التبريرين:

*التأويل الأول إيجابي،فالترجمة مهنة وصنعة وحرفة.غاية في ذاتها، وليست وسيلة أو أداة  Ø¨Ù‡Ø¯Ù تحقيق أهداف ثانية أخرى غير سعي الفرد نحو المعرفة وأسبابها وسبل ترسيخها،حتى يبلغ حدود الأسمى وجدوى حياته.هنا،الترجمة مهنة يومية،نكتشف بها ومعها الوجود وتعدديته.

*البعد الثاني من التعريف،أقل سموّا من الأول،لأنه يظل في نطاق المحدِّدات المادية العابرة،بحيث تغدو الترجمة وسيلة للبحث عن أسباب العيش.

طبعا،لايقصد سياق الحديث جملة وتفصيلا،الذين اختاروا الترجمة منذ البداية، باعتبارها بوَّابة تخصُّص مهني فقط،بالتالي كمورد مادي  Ø®Ø§Ù„ص عبر سبيل انتمائهم إلى مؤسسات إعلامية أو قانونية،وحتى تدريسها حينما يختار الشخص التكوين المعرفي والبيداغوجي في مجال الترجمة،قصد الانتقال إلى موقع التدريس وامتهان ذلك دون زيادة أو نقصان على مستوى المطلوب والممكن.زمرة أشخاص يدرِّسون الترجمة داخل أروقة معاهد وجامعات،ولايفصحون بالضرورة عن هويتهم تلك من خلال الكتابة.هكذا يلقِّنون أدوات وتقنيات الترجمة نظريا،بغير ممارستها عمليا.

إذن،يشرئبُّ لديَّ سؤال الترجمة باعتبارها مهنة أو ليست كذلك،صوب الترجمة الموصولة عموما بمشروع الكتابة،وفق مفهومها المجرَّد أي إبداع الأفكار والتعبير عن الأحاسيس بين طيات نصوص مكتوبة.

حينها،يمتهن الشخص الترجمة،ويمنحها الأولوية الوجودية قياسا لأنشطة وظيفية أخرى،تهتمُّ أولا وأخيرا،بتحويل نصوص من لغة إلى أخرى وفق الشروط الأكاديمية المطلوبة على مستوى الشكل والمضمون،مقابل حصول صاحب العمل على مكافأة مادية لقاء الترجمة التي أنجزها.

مقالات نقدية حوار المشرق والمغرب : حسن حنفي / محمد عابد الجابري(6 /5 ) (الحلقة الخامسة)
2024 - 10 - 10

يشير تاريخ الليبرالية الأوروبية،إلى القرن الخامس عشر مع الإصلاح الديني،ثم عصر النهضة في القرن السادس عشر وعقلانية القرن السابع عشر وكذا عصر الأنوار خلال الثامن عشر،وإعلان حقوق الإنسان وأخيرا ظهور الدولة الوطنية خلال القرن التاسع عشر.

تحقَّقت حرية تفسير النص الديني ضد سلطة الكنيسة،انتصرت حرية الإيمان الباطني للفرد ضد العقائد الرسمية وعلاقته الخاصة مع الله دون وساطة رجال الدين،ثم الإيمان بالعقل والسعي إلى فهم الطبيعة وتأسيس علم جديد،والإيمان بالحاضر والمستقبل والإبداع،حينها أعلن ديكارت بأنَّ العقل هو أعدل قسمة بين الناس،وصار هذا العقل سلطانا :"فإن سبينوزا قد أعلن أن حرية الفكر ليست خطرا على الإيمان ولا على سلامة الدولة بل إن القضاء على حرية الفكر فيه تهديد للإيمان وسلامة الدولة. أصبح العقل سلطانا على كل شيء.وبدأ العصر الليبرالي الأوروبي بالتنوير اليهودي عند اسبينوزا ثم بالتنوير المسيحي عند لسنج Ùˆ هردر Ùˆ كانط ثم بالتنوير الفلسفي العام عند فلاسفة دائرة المعارف، فولتير،وروسو،ومونتسكيو،وديدرو ودالامير،إلخ،مما أدى إلى تفجير الثورة الفرنسية. وحاولت ألمانيا اقتفاء الأثر فقامت ثورة 1848 على أيدي الهيجلين الشبان دعاة التنوير الألماني لخلق ثقافة وطنية تقوم على أساسها الوحدة الألمانية ونهضة الشعب الألماني. وأخير أعلن سارتر في نهاية الوعي الأوروبي''أنا حر فأنا موجود''ليؤكد على مكتسب طويل''(ص 59) .

بينما تمثَّل التعبير عن مضمون الليبرالية،عند التحوُّل إلى السياق العربي الإسلامي، يضيف حسن حنفي،في التعدُّدية المذهبية والفقهية منذ القرن الأول غاية الرابع الهجري، تبلور معها نقاش واسع وثقافة جدلية،فنشأ علم الكلام وتعرَّف المسلمون على ديانات اليهود وحكمة فارس،والتراث اليوناني والروماني،ثم تحقَّقت التعدُّدية،وحدث الغزو الصليبي مما جعل الغزالي يدعو إلى التصدي لتلك التعدُّدية والهجوم على العلوم العقلية :"ودعا الأمة إلى طاعة السلطان الواحد حتى لو أخذ الإمامة عن طريق الشوكة والغلبة،واعتناق المذهب الواحد وهي الأشعرية التي تدعم السلطة القائمة بإثبات مطلق الإرادة الإلهية على كل شيء، الإنسان والطبيعة.ثم قدم للناس التصوف،إيديولوجية أخرى تقوم على الزهد والورع والقناعة والتوكل والرضا والصبر،إيديولوجية للاستسلام"(ص 61) .

إذن،الأشعرية باعتبارها عقيدة جبرية تنفي أيّ دور لإرادة الإنسان وعقله في توجيه التاريخ،كما تؤكد على سلطة الحاكم المطلقة،شكَّلت مرحلة كَبَحَتْ روافد الانفتاح وبداية تراكم لبنات أزمة الحرية والديمقراطية،بالتالي فشل إمكانيات ترسيخ الليبرالية الغربية بين طيات منظومة حياتنا المعاصرة.

لاسبيل نحو تفعيل مرتكزات فلسفة من هذا القبيل،سوى بالعمل على :''استئصال جذور تسلط الحكام واستسلام الشعوب،وذلك عن طريق إعادة بناء المخزون الثقافي الذي مازال حيا في ثقافتنا الوطنية على أسس جديدة تجعل للإنسان فاعليته في التاريخ،وللطبيعة قوانينها المستقلة،وتجعل الإمامة عقدا وبيعة واختيارا دون حكر على طائفة''قريش"قديما Ùˆ''العسكر''حديثا،وإبراز حق الرقابة على السلطان،والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والنصيحة في الدين،وحق الخروج على الإمام،فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق''(ص 62 - 63 ).

باشر عابد الجابري مداخلته،مؤكِّدا منذ البداية بأنَّ مدى أهمية التطرُّق إلى فشل المشروع الليبرالي داخل الأقطار العربية،يقتضي التحلِّي ب :''الحيطة والحذر والمرونة في الحكم''(ص 64)،ثم يطرح فكرتين أساسيتين،أولا اتفاقه الفعلي مع حسن حنفي،بتحديده جذور الليبرالية الغربية عند القرن السادس عشر،والثانية ضرورة تحديد نطاق الليبرالية هنا،يتعلق الأمر أساسا بالليبرالية الفكرية وليس الاقتصادية.

بعد التوافق على الإشارتين السالفتين،أقرَّ عابد الجابري اعتراضه على التعميم الذي ميَّز تحليل حسن حنفي،بإسقاطه فشل الليبرالية داخل مصر الأشعرية على باقي الأقطار العربية،بينما تباينت واختلفت أسباب النجاح والفشل :''فنحن هنا في المغرب عشنا تجربة تختلف عن تجربة مصر في نقطة أساسية،وهي أن الحداثة المنقولة إلينا من الغرب،أو التي نستوردها نحن،لم تدخل في تناقض حاد مع السلفية كما حدث في مصر.بل إن السلفية عندما كانت هي التي تولت التحديث،وقد تبنت القيم الليبرالية الغربية وصبتها في قوالب وطنية،عربية إسلامية،فكانت''سلفية وطنية''،قادت حركة التحديث ومعركة الاستقلال في آن واحد''(ص 66 ).

سرد عابد الجابري أمثلة أخرى،بغية التدليل أكثر على أنَّ المذهب الأشعري في المغرب،لم يُجَسِّد إطارا ومصدرا للاستبداد،لذلك يعود بالدرجة الأولى فشل التجربة الليبرالية سواء في مصر أو غيرها إلى عامل التوسع الامبريالي.مقابل هذا المعطى التاريخي،تواصل نجاح الليبرالية داخل أوروبا بجانب استمرار وجود الكنيسة الكاثوليكية،وأيضا في اليابان ارتباطا بتقاليدها المحافظة.

تحميل المزيد
لا مزيد من المشاركات لاظهار