مقالات نقدية تعقُّب آثار غاستون باشلار
2023 - 11 - 24

منذ سنوات،أصدرتُ خلال فترات متباعدة أو متقاربة،مجموعة دراسات،تأليفا و ترجمة، خصَّصْتُها لمنجز غاستون باشلار(1) باعث رؤى النقد الأدبي الجديد وكذا الشعرية الحديثة،لكن قبل ذلك،ملهم مرتكزات إبستمولوجيا جديدة تستشرف بنيات،منظومات، مناهج، وأسس العقل العلمي المعاصر،حسب جدلية ذهنية خلاَّقة؛ تشتغل في الآن ذاته على علاقته بذاته ومختلف التطورات المعرفية والمنهجية التي تشهدها حقول أخرى.

رغم ذلك،لازال الطريق طويلا،الأوراش ملحَّة كثيرا،قدر تركيبها البنيوي،تداخلها النظري،تحاورها المفهومي اللانهائي،مما يستدعي باستمرار،اجتهادا ومثابرة،وتركيزا متصوِّفا للغاية،قصد سبر أغوار آليات التمرُّس على الإحاطة ببعض ذخائر باشلار صاحب مشروعيْ إبستمولوجيا النفي البنَّاءة و ظاهراتية الصورة الشعرية الملهمة.

بعد انقضاء عقدين من الزمان تقريبا،على تاريخ بداية اكتشافي لعتبات شعرية باشلار،اللَّبنة المفصلية لتراث الإنسانية،ليس فقط خلال القرن العشرين،بل أساسا ارتباطا بسياقات تاريخ الفكر البشري.أقول،بأنِّي أشعر صدقا خلال لحظات عدَّة بالعجز ضمن طيات الحميمة التي صارت بحكم الزمان تربطني بعناوين الجمالية الباشلارية.

لقد أرسى غاستون باشلار معالم أفق فكري هائل،مغاير جذريا للمتبلوِرِ سلفا منذ العقلانية الديكارتية إبَّان القرن السابع عشر،غاية التحوُّلات العلمية بداية القرن العشرين، في مجالات النشاط الإشعاعي،ميكانيكا الكمِّ وكذا التموُّجية،الهندسة اللاأقليدية، الفيزياء النسبية، الكهرومغناطيسية، والتلغراف.

مقالات نقدية الوعي الفجائعي وبثِّ الآمال
2023 - 10 - 15

بلا شك،صار التطلُّع نحو تلمُّس القيمة المعنوية للاطمئنان،أقصى ما يطلبه إنسان ظرفية الوقت الراهن. فقد أبان هذا الزمن الجلف،عن تعدُّد نوائبه، وتعقُّد بنيات مشاكله،حدَّ التِّيه الأعمى،وتداخل حدود دلالات اضطراباته،وضمور ممكنات سبل حياته،بحيث افتقدت البشرية كثيرا معاني الأفراح الحقيقية،والأعراس الصادقة، وصارت الأيام لاتخبئ بامتياز سوى وصفات المآسي،وفق مختلف أشكالها ومعانيها :

حروب غوغائية،موصولة آليا ببعضها البعض؛لاتنتهي قط ولن تنقضي فيما أتخيَّل، غاية قضاء ماتبقى من الجميع على هذا الجميع نفسه،خدمة لمصالح أقلية تدمن من الصباح إلى الصباح جشع المال وجنون عظمة السلطة.

كوارث طبيعية وبشرية، تندلع إحداها هناك، كي تفسح المجال لأخرى هنا، أوبئة تتوالد كالفطريات، مجال بيئي يتوشَّح بمزيد من غشاء الاكفهرار،إلخ.

إذن،كلما اتسعت صروف العالم،وتعدَّدت ألوان مصائبه،تقلصت حتما مرجعيات الطمأنينة ودواعي الحبور، وأسباب الهناء،فتغدو الأهوال قابضة على زمام المكان؛قبضة أبله.معادلة بسيطة في ذاتها،لا تقتضي مزيدا من التبرير التأويلي.

عموما،يبدو الأمر معتادا أكثر،حينما ينزع اعتقاد الأفراد نحو حياة وديعة، تخضع لمنطق تراتبي مألوف،تنساب وقائعها تبعا لرغباتهم،بحيث لايترصدها أيّ اختلال لبنية المتوقَّع . 

هذا اللامتوقَّع المريب،ليس بالضرورة مصدره غير بشري كما الحال بالنسبة لخبايا الأقدار المشؤومة والصعبة؛ضمنها الكوارث الطبيعية،لكن أيضا خلال سياقات متعدِّدة، فالإنسان ذاته، من يسرع بكامل إرادته قصد بلورة فجائعية اللامتوقَّع،عبر نرجسية بثِّ الشَّرِّ على امتداد فضاء العالم وجعل الحياة مجرد بوتقة دموية لكرنفالات الموت،مثلما يتجلى الوضع واضحا بلا لبس يذكر،أزمنة الحروب التي يشعلها حمقى السياسية،وكذا نتائج التدبير المفلس لشؤون الدول والشعوب،ثم تواري قيم منظومات البناء الإنساني لصالح تفوق العمى العقائدي والمذهبي والقومي والاثني،ومايستتبع ذلك من تعميم لأسباب الموت بكل أنواعه.

مقالات نقدية رقصات الأرض
2023 - 10 - 13

الأرض منتشية، ضَجِرة، مترنِّحَة، مضطربة،مبتهجة، ترقص، تتلوَّى، تتمطَّط، تتمايل، تهتزُّ، ترتجُّ، تتصدَّع، تبتلع، تلتهم.

افتقدت دون وعد سطحها المعهود، لقد أتت عليه سريعا برقصة طافحة.

لقد اختلفوا حول سطحية الأرض؛وكذا مدى ثباتها في مكانها أو دورانها.الأرض كروية؛متحرِّكة.الأرض مرتعش جلدها،أضحت تتمايل بين الفينة والأخرى،اختلَّت معها معاني شتَّى عن الحياة والمرور فوق البسيطة،بغتة تنبض أكثر موتا،فتعمِّم الموت بإفراط فاحش.

هي رقصات الموت،الأرض تقتل.ينساب الإنسان طويلا خلف عقيدة،مفادها أنها أرض حياة ولاشيء غير الحياة،يولد منها، يعيش على زاد غلالها،يتنفَّس هواءها، يستيقظ باستيقاظها، ينام مع نومها،إنها حضنه المثالي.

أيضا،ألهمه مصيره،بأنَّ الأرض مصدر لمختلف أشكال الموت،وفق ذات حجم بعثها لأسباب الحياة،وبغض النظر عن طيِّها الإنسان في نهاية المطاف داخل جوفها،فإنها قبل ذلك،تصارع الإنسان غاية صرعه بكل ما أوتيت من عنف وتنكيل،بحيث يزداد زخم تصاعد غضبها مثلما نلاحظ، قدر ارتداد مستوى توازنها المادي والعضوي.

هكذا،تبثُّ شكواها وتذمُّرها وتعنُّتها،عبر وقع لغة الكوارث،تتفاوت طبعا مستويات حدّتها في خضم تبادل استعراضي راقص بين الإنسان و الأرض.كلما حقق الإنسان انتصارات علمية على سطح الأرض،قصد توطيد سيادته ومركزيته الكونية.

تترقَّب الأرض هذا الانجاز السلطوي كي تنتقم لذاتها وتردّ الصاع لصاحبه،بل وتجعله مجرد ذكرى تسكن إلى الأبد جوفها. بالتالي،قد تكون إجابات ليِّنة أو أكثر من المتوقع،لكنها في نهاية المطاف تفحم  الإنسان.

مقالات نقدية بين كورونا والزلزال
2023 - 09 - 26

حتما،سيشكِّل بريق هذا الوعي الجديد- إن تحقَّقت فعليا جِدِّية الوعي - بجبروت الطبيعة وكذا هزمها الإنسان؛خلال وميض قياسي،رغم كل جبروت تطور أنساق فهمه لغة هذه الطبيعة،خيوط حكايات دالَّة، معبِّرة، طيلة العقود القادمة،وتحكم نتائج ذلك حيثيات المنظومة المجتمعية التي بوسعها تحديد التوجُّهات العامة لهواجس الجيل الحالي.

  وعي غير الوعي، استشراف مختلف تماما،توطَّدت لبناته منذئذ على حسٍّ فجائعي غير مألوف نحو الطبيعة، سيأخذ رغم كل شيء، بعدا إيجابيا وبنَّاء، فيما يتعلق بإعادة بناء الأنساق الكلاسيكية العقيمة مثلما اختُبِرت نتائجها السلبية واقعيا،شريطة استثمار اهتزاز الوعي البشري،جراء هَزَّات الطبيعة اللا-متوقعة وفق الكيفية المطلوبة،بإحداث قطيعة نوعية حيال رتابة منظومة قَدَرية، خاملة، ترسِّخ نوازع الكسل، الاستسلام، الاستكانة إلى غموض المجهول، نحو نسق جديد أكثر عقلانية، اجتهادا، واستعدادا لتهيئ ممكنات المجابهة.

تحميل المزيد
لا مزيد من المشاركات لاظهار