مقالات نقدية سقطة طبّوخ المدوّية
2025 - 11 - 10

طبّوخ اسمه الحقيقيّ وليس مستعارا،رغم غرابته التّداولية،فتوّة أو''عَزْوة'' أو"اسْبِيرة"- شابّ مغوار لايخشى ولايتراجع قط- دروب طفولتي الأولى،منذ أن فتحت عينيّ وبدأ إلمامي بحيثيات مايجري،التقط سمعي باستمرار خلال أحاديث الأسرة حكايات القوّة الجسمانية لهذا الشّخص ومدى قدرته على هزم من يجرؤ على التحدّي،فاستحقّ بذلك موقع أقوى شخص بإجماع الساكنة،بالتّالي حارس حيِّنا وزعيمه وكذا المرجعية المثالية لشبابه،والموجِّه الرّئيسي لتصرّفاتهم.

انتخاب انتقائي وعرفي،للفتوّة تبعا لتراكم وقائع ترسُّخ اسمه،نتيجة إمكانيات قتالية استثنائية أظهرها مقارنة مع الآخرين،وستظلّ قيادته دائمة يستحيل التطلّع نحو مكانه،إلاَّ في حالة الموت،الاعتلال الصحّي،ثم الهزيمة جرّاء مواجهة ما وخسارته معركة،حينها يلزمه الانسحاب من الواجهة تماما وينزاح متواريا إلى الهامش،كي يخلفه غالبا ''اسْبِيرة'' جديد؛ إن رغب طبعا في تحمّل أوزار المسؤولية الصعبة.

في غضون ذلك يموت صامتا؛كمدا وهمّا وتحسّرا،مثلما حدث للمسمّى ''لْعْقيرَة'' فتوَّة الحيّ المجاور بعد إصابته بمرض عضال لم يكن متوقّعا قط،جعله عاجزا عن مجرّد التخلّص من ذبابة تحطّ فوق شفته فأضحى طيفا مصلوبا أو بالكاد،بعد أن صال وجال لسنوات طويلة يتحكّم في كلّ صغيرة وكبيرة،لكن الحياة لم ترحم مصيره واستمرّ نموذجه يحيل ضمنيا على تجربة الملاكم محمد علي كلاي.  

مقالات نقدية منزل الأشباح
2025 - 10 - 16

يستحيل على تاريخ وعي ذاكرتي نسيان ذاك البيت المخيف والمرعب،القابع نهاره مثل ليله بين طيَّات ظلام دامس،لايفتح سوى نادرا،ولايضمُّ رغم شساعة زواياه المترامية الأطراف؛على طريقة ''الرياضات''المراكشية التراثية،غير ثنائيٍّ شابٍّ،ليس بزوجين مثلما قد يخطر للتَّقدير من الوهلة الأولى،بل أخ  وأخته،مكثا معا في ذلك المنزل لسنوات طويلة بعد رحيل أمِّهما الحاجة غضيفة.عجوز،لازلتُ أستعيد جغرافية سمنتها المفرطة وقِصَر قامتها الواضح مما جعل مشيها صعبا متعرِّجا.بالكاد تتحرَّك،بيد أنَّ لسانها سليط في غاية الفتوَّة والإقدام.  

دوما شَكَّل خروجها من المنزل المخيف المتواجد عند آخر موقع في الدرب الطويل،مشكلة عويصة بالنسبة لي ولأصدقائي، مادام تحرُّكها السُّلحفاتي،يمثِّل إعلانا قبل الأوان عن توقُّف مباراة كرة القدم،لأنَّها أشدّ ماتكره في الوجود لعب الأطفال،بحيث توخَّت باستمرار حين ظهورها رغم عجزها البدني الاستيلاء على كرة،ليست بالضرورة حقيقية بل قد تكون مجرد حزمة بقايا متلاشيات حشونا بها قطعة كيس حليب بلاستيكي تتوسّطه بقرة سمينة حمراء فاقعة اللون،كم كان محتواه لذيذا لاسيما مع جزيئات الزبدة المتراكمة بعد سكب الحليب في الإبريق،لذلك أتسابق وأختي نحو المطبخ قصد القيام بهذه المهمَّة والاستفادة من الغنيمة الطرية.

مقالات نقدية المناضل''الجذري''وعادة الحَكِّ
2025 - 09 - 20

هناك عادات محمودة بما يكفي وأخرى سيِّئة جدا،تعمل الأولى بالتأكيد على تهذيب صاحبها بطريقة إيجابية والارتقاء به صوب مدارج العلا والرِّفعة،بينما تشكِّل الثانية في غالب الأحيان مبعثا للمشاكل ومنزلقا فوريا نحو الدَّرك الأسفل.

انتمى هذا الزميل إلى حلقة الأصدقاء إبَّان سنوات الجامعة،تَعَقَّبَتِ المسكينَ ظلما بعض المشاكل الجانبية،كان في غنى عنها تماما نتيجة عادة مقرفة التصقت به التصاقا، تتمثَّل في عدم توقُّفه خلال كل آن،على حكِّ حاشية أسفل البطن تحديدا بجوار المثانة،دون أيِّ داع يذكر.حركة غير إرادية،تصاحبه مثل ظِلِّهِ.

ربَّما،لن تأخذ العادة مناحيها الفظيعة،إذا كان منفردا بنفسه أو فقط باغتته الحركة بشكل عابر بغير تكرار أو إلحاح،مثلما استفاض توضيحا واستدلالا خلال كل مرَّة،حين معاتبته وتأكيده الواضح عن عدم حاجة تلك المنطقة المحرجة للحكِّ والهرش،بل فقط اعتاد الأمر منذ أن وعى وجوده.

يعترف دون مواربة بأنَّ فعله غير مقبول اجتماعيا،لكنه للأسف غير قادر بتاتا على التخلُّص منه سوى في حالة بتر يديه أو قُيِّدَت خلفه مثلما تفعل الشرطة لحظة اعتقال المطارَدين والملاحَقين.غير هاتين الحالتين،يستحيل عليه التوقُّف لأنَّه سلوك أقرب إلى صنف الدَّواعي الغريزية،ثم يعضِّد تبريره عندما يجد حوله كثيرا من اللَّغط والسُّخرية المريرة،بأنَّ كل واحد من البشر تستعبده حتما سقطات من هذا القبيل :

البصق،التَّفل،التجشُّؤ،فرك الأصابع،تحريك اليد أو الرجل،إخراج جهوري لغازات الأمعاء،التلصُّص،إصدار أصوات حيوانية أثناء الأكل،مصّ مرق الأصابع بعد الأكل،قضم الأظافر،إخراج مخاط الأنف..،وأثناء الزمن الحالي؛غير زمن صاحبنا موضوع هذا الحكي،يأتي في طليعة مختلف ذلك،تصفُّح الهاتف المحمول لحظة التكلُّم مع شخص أو الاستماع إلى متحدِّثٍ،بحيث أضحى سلوكا معتادا ومألوفا لدى الأغلبية لاسيما ضمن صفوف الأجيال التي ترعرعت على أدبيات المنظومة الرقمية،بينما يعكس حقيقة قِمَّة الازدراء والحقارة في نفس الآن.  

مقالات نقدية الجدَّة العاشقة للأفلام الرومانسية
2025 - 09 - 11

عاش إبراهيم مع جدَّته من أمِّه علاقة خاصة،ميَّزتها مفارقات سلوكية عجيبة أضفت عليها نكهة استثنائية شَكَّلت باستمرار جلسات حكي لأهل الحيِّ،فهذه الجدّة رغم بلوغها عمرا متقدِّما استمرَّ دأبها السَّردي لما علق في ذهنها من حكايات هتلر، الفرنسيس، دوغول، سَنِغَال،الهند الصينية،اليهود،جمال عبد الناصر،المجاعة،عام لْبونْ،الجفاف،حروب القبائل، بذخ قوَّاد الإقطاع،حِيَل النِّساء وأسرار العشَّاق، الخيانات الزَّوجية،جغرافية مراكش القديمة، طقوس الحِرَفيين التقليديين، يوميات المرَّاكشيين أيام سلطة الباشا الكلاوي

الجدَّة المدعوَّة بالحاجَّة فَاضْمَة ذاكرة خصبة وحيَّة بامتياز،لاتكفّ يوميا على تهذيبها وإنعاشها بأحاديثها المطَّرِدة مع جيران الحيِّ من مختلف الأجيال؛أينما انتقلت وحلت،يكفي مصادفة عبورها وإلقاء التحيَّة عليها كي تسهب حديثا.

اعتُبرت أسرة إبراهيم ضمن أهل الحيِّ الأوائل الذين اقتنوا تلفازا أواسط عقد السبعينات،بحيث لم يكن الجهاز السَّاحر حين بداية تسويقه محليّا متاحا سوى أمام إمكانيات أقليّة قليلة،بالتالي شَكَّل اقتناؤه عنوانا للتميُّز الطبقي؛كما جرى الوضع فيما بعد مع نفس التِّلفاز بالألوان وكذا الهاتف المنزلي،ثم بدأ تدريجيا يغزو جُلّ البيوت ويوضع غالبا بحجمه المعَلَّبِ الصَّغير جانب مذياع خشبي كبير.

صحيح،أنَّ الضَّيف الغريب شغل وقتها الألباب وساد الأذهان و خَلَبَ النُّفوس،مع ذلك لم يكن زائرا مغترّا بهالته الحديثة بل أبقى مجالا واسعا للمذياع الأيقونة الموروثة،طيلة المدَّة السابقة عن انطلاق الفترة الزمنية المسموح بها للتِّلفاز؛أي من الساعة السادسة مساء حتى الحادية عشر ليلا،فالتوقُّف والإغلاق والانزواء إلى الصَّمت غاية حلول نفس الموعد خلال اليوم الموالي.

يترصَّد الجيران بفارغ الصبر التَّوقيت قصد الالتحاق فورا بمنزل أسرة إبراهيم، كي يتمتَّعوا باستيهامات الصندوق العجيب؛الأشبه بمصباح علاء الدين.

تحميل المزيد
لا مزيد من المشاركات لاظهار