مقالات نقدية حسين مروة : من الحوزة الدينية إلى الأممية الشيوعية
2024 - 07 - 18

قياسا إلى نخبة المفكِّرين العرب النهضويين خلال القرن العشرين،الذين واصلوا جميعا تشكيل مرتكزات أنساقهم النظرية والمنهجية،على السعي إلى الإجابة دائما على السؤال المطروح غاية اللحظة،منذ القرن التاسع عشر جراء حملة نابليون على مصر : لماذا تقدَّم الغرب وتخلَّف العرب؟

أقول،جسَّد المفكّر اللبناني حسين مروة حالة إنسانية مميَّزة إلى حد ما،نتيجة حالتين وجوديتين،طبعت مسار شيخ الماركسيين العرب.

أولا،تحوُّله المعرفي الجذري من مشروع فقيه ورجل دين شيعي بامتياز،مثلما تجلَّى هذا النزوع تماما خلال مرحلة الطفولة والشباب،قبل أن يأخذ السعي وجهة ثانية مغايرة كليا للوضع السابق،بحيث صار حسين مروة ماركسيا خالصا ضمن طليعة أبرز الشيوعيين داخل بلده لبنان ثم على امتداد المنطقة العربية،يستند استنادا يقينيا عبر روافد حياته العلمية والعملية على مرجعيات المادية التاريخية الجدلية ومفاهيم الأدبيات الماركسية.

ثانيا،دفع حسين مروة دفع  تكلفة اختياراته تلك،بجلده قتلا،فقد اغتيل عمدا بمسدَّس كاتم للصوت داخل منزله في بيروت يوم 17 فبراير 1987،وقد بلغ من الكِبَرِ عِتِيَّا،من طرف ثلاثة عناصر مجهولة،تأرجحت أغلب التخمينات على تأكيد انتمائها إلى حركة أمل أو حزب الله،تنظيمي الطائفة الشيعية اللبنانية التي ينحدر منها،بل هناك من يشير إلى تورُّط أجهزة استخباراتية عربية،لأنَّ حسين مروة بقي غاية آخر دقيقة في حياته عدوَّا لدودا لمخططات الاستعمار والرجعية والأصولية والتخلُّف والطائفية،داعيا في المقابل إلى الاستماتة دفاعا عن مجتمع التحرُّر والتقدم والعلمانية والمدنية،لذلك كرَّس حياته وفكره قصد مقاومة مختلف ذلك.

اختبر حسين مروة فكره واقعيا،كما عاش فعليا تجربة الانتقال''الصعبة''،دائما من خلال بناء متن معرفي يدخل كل مثقف حقيقي دوَّامة صراعات وجودية ليست بالهيِّنة، تتجاذبه من لدن كل الأطراف المناقضة،ويلزمه محاورتها وتبيُّن السبل نحو أجوبة استدلالية،يقتنع بها أولا شخصيا بكيفية عميقة،قبل القدرة على إقناعه الآخرين.ربما،امتلك بهذا الخصوص ميزة تقويض تقليدين سلبيين،صاحبا الفكر العربي المعاصر،منذ انطلاق شرارة أسئلته النوعية المتعلقة بوعي الوعي.

مقالات نقدية المترجِم أمام غموض النص
2024 - 07 - 15

يُعتقد عموما بوجود خُطَّتين لدى المترجِم،فيما يتعلق بتسيُّده على النصِّ الماثل لتمرين الترجمة:

*إمّا يشتغل على البناء المعجمي،من خلال الاهتمام بترجمة الكلمات في المقام الأول ثم صياغة الجمل ثانيا بناء على ضوابط  الدلالات الحرفية خَطِّيا،لكن مع حفاظه على نفس البناء التركيبي للنص المتوخى ترجمته دون تغيير.المؤاخذة التي توجَّه إلى هذه الآلية، أنَّها فقط تسقط صاحبها ضمن صرامة العلاقات الأفقية بين العلامات تفقد معها الدلالة رحابتها،لذلك يقال بأنَّ أغلب الترجمات السيِّئة غير المقروءة،تندرج ضمن هذا النوع من المقاربات.  

*بينما يدعو التصوُّر الثاني،إلى خُطَّة منهجية مغايرة للسابقة،تكمن في ضرورة قراءة المترجِمِ فقرة مثلا قراءة محيطة بنيويا وتركيبيا،ثم يغلق دِفَّتَي المقروء ويعيد صياغة ماقرأه على طريقته الخاصة.بدورها،هي وجهة نظر عرفت انتقادات قوامها حتمية إفضاء  تحرُّر بهذه الكيفية،وجهة تحوير كبير للمعنى،وانسلاخ غير مضمون للعواقب حيال المساحة المسموح بها للمترجِمِ.

حقيقة،بناء على تجربتي المتواضعة،أعتقد بأنَّ المنهجية المثلى أو على الأقل مثلما يفترض،من تحاول الموازنة اللغوية بين الانضباط التركيبي نحو مكونات الجملة الأصلية،في ظلِّ مرونة دلالية وتداولية غير خجولة أو مندفعة،فقط الاستعانة بتجربة بسيطة تتمثَّل في أن يعيد المترجِمُ تلاوتها بصوت مرتفع وقد أغمض عينيه على طريقة طقوس اليوغا،ويضع ذاته إبَّانها موضع القارئ المحتمل،كي يستعيد على وقع ارتدادات صمت مغنطيسي مدى انعكاس الوضوح والتجلِّي.

نعم،تقتضي الترجمة خلال مراحلها نمطين من القراءة،صامتة بداية بغية اقتحام النص واستيعاب خباياه،بعدها يلزم المترجِم اختبار ممكنات تداول المعنى لدى القرَّاء، بمحاولة قراءة ماكتبه جهرا،كأنَّه بصدد التمرُّس على إلقاء خطاب رسمي أو الاستعداد لبروفة مشاهد مسرحية.يبدو للوهلة إجراء مضحكا،لكنه بعد كل شيء يؤتي أكله حين قراءة النصِّ بصوت مرتفع،يوضِّحُ مستويات انكشاف المعاني عند السطح وقابلية تقاسمها مع القرَّاء.

مقالات نقدية تأثير الترجمة على حياتي اليومية
2024 - 06 - 27

هناك إجماع  متَّفق حوله لدى المهتمين،بأنَّ الترجمة فعل أخلاقي بامتياز،من الدرجة الأولى، ينطوي أولا وأخيرا،على ثلاث محدِّدات أساسية على مستوى تطور الشخصية الإنسانية صوب مراتب السمو. أقصد بذلك : الأمانة ، المسؤولية، الحوار اللامتناهي زمانيا ومكانيا.

     ذلك، أنَّ أدبيات التعامل مع وثائق النصوص من خلال بوَّابة الترجمة، يضع المترجِم مبدئيا عند موقع الوصيِّ الأول فيما يتعلق بتأويل معاني النص وتفكيك خباياه عبر الانتقال بين دروب لغة ثانية،قصد اكتشاف هويتها وفي الآن ذاته إعادة سبر أغوار الهوية الشخصية للغة المترجِم الأولى حتى لاأقول الأمّ.

    حقل لساني،يفترض من الوهلة الأولى تقلُّص الهامش التداولي بين المتكلِّمين،واتساع مساحة اللامعرفة لدى أطراف العملية التواصلية،ثم يزداد الأمر حساسية،إذا انتفى أو انعدم التواصل بين المترجِم والمؤلِّف،وهو الوضع السائد والقائم فعليا،بحيث يمارس المترجِم تمارينه التأويلية ويواصل عمله غاية وضعه نهائيا بين أيادي القرَّاء،دون تواصل يذكر مع صاحب النص أو مجرَّد إحاطته علما بجزئية معينة، بل قد لايعلم بمبادرة انتقال نتاجه إلى لغة أخرى.وضع،يطرح ويثير مختلف الأسئلة و الإشكالات الموصولة بفعل الترجمة.

     بينما تشير الحالة الثانية،إلى الوجهة الأكثر هدوءا وطمأنينة نتيجة استمرار وصاية الكاتب على منجزه المنخرط في حوارات أوراش الترجمة،وإلحاح رغبته على مصاحبته دائما النص أينما حلَّ وارتحل،مواظبا دون ملل أو تخلٍّ بخصوص سعيه إلى إعادة كتابة ماكتبه قبل وقع آثار الترجمة،يتقاسم يوميات سفر نصِّه عبر الترجمة رفقة المترجِمِ، ولاتخرج الصيغة النهائية للإبداع الجديد،سوى برضاه وموافقته النهائية على طبيعة الدلالات التي اكتساها النص مرة أخرى في كنف عالمه الجديد.

مقالات نقدية ''أطْلِقْ سَرَاح الدجاجة كي لاتفقس بيضا !''
2024 - 06 - 22

 

                  ''أطْلِقْ سَرَاح الدجاجة كي لاتفقس بيضا !''

                                                                 

بالتأكيد،يعيش يوميا أفراد  مختلف المجتمعات،صراعات رمزية ومعنوية بغضِّ النظر عن بديهية المادية،ومن بين أهم وسائل تدبير وتنظيم نسق الصراع بأبعاده الظاهرة والمتوارية،نجد اللغة المتداولة عبر الفضاء العمومي،وطرق تبلور مناحيها تبعا  لاستراتجيات تلك الحروب الرمزية، بين مختلف الأفراد،حسب مقتضيات ودواعي سياقات معينة.

في هذا الإطار،تشكَّلت لبنات حمولة العبارة اللغوية التي اخترتها عنوانا لهذه المقالة،ضمن مقامات فنِّ إغواء النساء وحروبه الشرسة،أقصد :''أطْلِقْ سَرَاح الدجاجة كي لاتفقس بيضا !''،وباللهجة المحلية'' اطْلْقْ الدجاجة لْصْحَابْها قبل ما تْبِيِّضْ لِكْ ''.

صيغة رافقت مسامعي يوميا،خلال سنوات طفولتي،ليس فقط داخل فضاء حيِّنا الأصلي،بل أينما تواجدتُ في دروب مراكش القديمة،التي اشتهر أهلها فيما مضى، برغباتهم الملحَّة على مستوى بثِّ أجواء الانشراح،ثم التباهي بالفذلكة اللغوية المجازية،ونحت العبارات المسجوعة الأقرب إلى ترانيم الزجل،ممهورة بالدُّعابة والفكاهة.         

ماسياقاتها؟ مامعناها؟بكل بساطة،تحيل على الصراع النفسي بين شباب ذلك الزمان، فيما يخص ظفر أحدهم برفقة مؤنثة،والذي جَسَّدَ آنذاك إنجازا غير مسبوق،قبل التطور الكبير الذي عرفته أساليب استمالة الفتيات بواسطة إحداثيات المنظومة الرقمية.

هذا التمكُّن،خلال حقبة الندرة،استفزَّ دائما حفيظة المحرومين،فالتجأوا إلى سلاح التحريض الساخر باسم تحذير المعني بالأمر من التورط في تبعات علاقة الرفقة تلك،بعد نجاحه في إسقاط الفتاة،من خلال استشراف إمكانية حدوث حمل ويصبح لحظتها مسؤولا عن هوية المولود بشكل أو بآخر،سواء كان حقا أبوه البيولوجي أو فقط تحمَّل في نهاية المطاف وِزْر مفعول عابرين آخرين بلا هوية.

تحميل المزيد
لا مزيد من المشاركات لاظهار