ترجمات فيليب سوليرز/ جوليا كريستيفا :الزواج بين الوفاء والخيانة
2024 - 10 - 24

ماهي الحظوظ المحتملة  لإمكانية حدوث لقاء في باريس سنة 1966 ،بين جوليا (المولودة سنة 1941،في مدينة سليفين البلغارية) مع فيليب (المولود سنة 1936في مدينة بوردو الفرنسية)حيث تعيد نصوص رواياتهما الكشف عن خصوصيات تميِّزهما غير قابلة للقياس؟أن يعشق أحدهما الثاني،قبل وبعد ماي 1968؟ثم أن يظل زواجهما منذ 1967 غاية الآن؟حظوظ قليلة،يقتضي حساب الاحتمالات سلسلة فلكية لأرقام بعد الصفر.

مع ذلك ''تبلور هذا''.جرت فعلا مراسيم الزواج في دار البلدية؛وإن أتيح له الاستمرار،بكيفية مطلقة ومتوقدة،فلأنه لم يمتثل قط لأي قاعدة أخرى غير قاعدته :تسوية دائمة،عاشقة وواعية،تغذيها حريتان متقابلتان غير قابلتين للمقارنة.

جوليا :أكثر حنكة وتكتُّما،انحدارها السلالي البيزنطي،اغترابها في المنفى هروبا من الشيوعية،ثم فرويد الذي شغل رأسها خارج دوامة الاعتقاد وكذا المعرفة الشمولية.

فيليب :أكثر دهاء وانفتاحا،جميلا،ينتسب إلى الجيرونديين وشبيها بكائن من مدينة البندقية،جذابا، فوضويا، مهرِّبا شرعيا لحياة روحية في إطار تفوق للغة الفرنسية،يبثُّه عبر مجالات  الأدب والسياسة.

ضمن هذا النطاق وليس بعيدا عنه: لن نترقب إيحاءات قوية حول حياة أو أعمال  الطرفين معا،بل استكشاف مسارين انسجما،ثم تفرعا واكتملا وهما يرسمان المكان،الفضاء المحدد والثمين المتمثِّل في زواجهما.التوافق، البناء، التقويض، إعادة البناء باستمرار منذ اللحظة التي نتبيَّن خلالها حتمية العيش المشترك.مجال حيوي مثل جهاز عضوي،أجزاء كاملة لكل طرف فيما يخص حريته حيال الثاني تحتضر،اغتيلت أو انتحرت،بينما تولد ثانية أخرى نتيجة انبثاقات أخرى طارئة، مفاجئة،خجولة ،في خضم حركة لاتشبع من البدء ثانية.

 Ù„ونوفيل أوبسرفاتور : بداية ماهو تعريفكما للحب؟

فيليب سوليرز :هناك توظيف ملتبس دائما لهذه الكلمة،وكيفما اتُّفق بخصوص البضاعة العاطفية الحديثة،بحيث قد نتلمَّس ردَّة فعل أساسها الخجل أو الاستبعاد،كما الشأن مع سيلين مثلا :"الحب،بمثابة اللانهائي الذي يوضع رهن إشارة كلب البودل''.لكن عموما،يعتبر السؤال جدِّيا ويستحق عناء الجواب عنه.تُتَداول كلمة لاأحبها،أقصد كلمة ''زوج'' بحيث لم أستسغها قط.تستحضر أدبا  أمقته تماما. طبعا،تزوجتُ Ùˆ جوليا،لكن احتفظ كل واحد منا على شخصيته،اسمه، أنشطته،حريته.الحبُّ،أقصى اعتراف بالآخر باعتباره آخر.إذا كان هذا الآخر قريبا جدا منكَ،كما الشأن بالنسبة لوضعيتنا،يتجلى حينها الرهان  على التناغم ضمن الاختلاف.تباين الرجل والمرأة غير قابل للاختزال،ولايمكن تحقيق الانصهار.بالتالي، يتعلق الأمر،بعشق ينصبُّ على التناقض وهذا يمثِّل الوضع الأجمل.أستعيد هنا عبارة لهولدرلين :''تماثل تباينات العشَّاق تعكس تنافر العالم.يحدث التوافق وسط النزاع Ùˆ يثمُّ العثور ثانية على المنفرد.تتباعد الشرايين داخل القلب،وتلتقي ثانية كي تعيش جميعها حياة شغف أبدي".

جوليا كريستيفا : يتجلَّى مع الحبِّ مكوِّنان غير قابلين للانفصال: الحاجة إلى التواطؤ والصمود ثم الضرورة المثيرة للرغبة التي قد ينتهي دافعها نحو الخيانة.تشكِّل العلاقة الغرامية خليطا حاذقا بين الوفاء والخيانة.تتعدَّد كثيرا،مع الأدب أشكال العلاقة الغرامية : ابتداء من الرؤية المهذَّبة والرومانسية غاية اكتشافات الفترة المعاصرة النيِّئة Ùˆ المكثفة.جلُّ مايحدِّد حضارتنا،في خضمِّ تأملاتنا الجنسية والعاطفية،تستند على أساس الثنائي وفاء- خيانة. 

لونوفيل أوبسرفاتور : كيف تحقِّقون التوازن بين الوفاء Ùˆ الخيانة؟

جوليا كريستيفا : ÙÙ„نحاول بداية وضع تعريف للوفاء.بوسعنا القول :استقرار، حماية،إعادة تأمين ضمن الديمومة.هل الوفاء موضوعة سخيفة،مورثة عن الماضي أو الآباء،فكرة بالية يلزم على الأزمنة المعاصرة وكذا قوة الرغبات مسحها مستقبلا؟لاأعتقد بذلك.أتحدث هنا باعتباري مختصَّة نفسانية:يحتاج الطفل إلى رمزين،صورة يافعان بدونهما لايمكنه مواجهة العالم.الأمُّ ،بالتأكيد،لكن أيضا هذا الأب الذي لانتكلم عنه كثيرا،أب أولى  تماثلات الطفولة.ليس الأب الأوديبي الكابح،بل الأب العطوف.نبحث أيضا مع تجاربنا العاطفية،على متغيِّرات هاتين الصورتين.تكمن هنا الحاجيات النفسية للوفاء.عندما نمتلك هذه التحديدات،وكذا عناصر الثبات تلك،قد نتيح أمام ذواتنا الانفتاح على العلاقة الحسية أو الجنسية الأكثر حرية،وإعطاء الرغبة مجالا مفتوحا.

فيليب سوليرز :أجد مؤلما الاختزال المنهجي لعدم الإخلاص إلى السؤال الجنسي. خلال قرن،انتقلنا من الجنسانية بوصفها شيطانا،إلى تناول إشهاري وتقني،للجنس باعتباره أساسيا.سيفترض مع الجنس دون الباقي،الإفصاح عن مجمل حقيقة الكائن البشري :استمرار شعور في الزمان،ثم النجاح الفكري. جَعَل المجتمع من الجنس شيئا كبريتيا،والآن بصدد  توخِّي جعله أساسيا Ùˆ مضجِرا.اتهموني دائما،بأني كتبتُ روايات تأخذ وجهتها ضمن معنى هذا التضخم الجنسي،لكنه تأويل خاطئ.لقد تحدثت باستمرار عن الجنسانية بكيفية رشيقة قدر الممكن،غير مقيَّد،ساخرا،حيال رغبة نعرفها وبوسعنا جيدا الإحجام عنها.هذا،بغية التأكيد على أنَّ عدم الإخلاص الجنسي يبدو لي مفتقرا إلى الوزن.يوجد ماهو أفظع.

جوليا كريستيفا:أعتقد بأنَّنا استوعبنا الجنسانية أساسا كثورة ضد المعيار،أمر استدعته ضرورة مجتمع تثقل كاهل أفراده محظورات ذات أصل ديني أو متزمِّتة.في المقابل،نتكلم اليوم كثيرا عن الانطواء الذاتي أو العودة إلى المعيار.بالتأكيد،يعكس ذلك تراجعا وصيغة للمحافظة.أيضا،امتلاك الوعي بمعطيات الثورة الجنسية.تتجلى دلالتها في: الحرية.لكنها،تضمنت اللا-معنى خلال الآن ذاته:غالبا،تدمير الذات والآخر.في إطار علاقات الرجل- المرأة،يمكن اختبار علاقات جنسية وحسية''خارجيا''تحترم الجسد وكذا حساسية شريككَ الأساسي.هنا،مكمن الوفاء.لايعني ذلك عدم الانفصال قط،أو الامتناع عن  معرفة رجل ثان، أو امرأة أخرى.

ترجمات فيليب سوليرز : خصوصية مدينة بوردو
2024 - 10 - 19

ولد فيليب سوليرز في مدينة بوردو.كتب روايته الأولى''عزلة غريبة''سنة 1958 . ساهم في تشكيل معالم حلقة تيل كيل سنة 1960،ثم راكم بعد ذلك روايات ودراسات.أسَّس مجلة اللانهائي،وانتسب إلى هيئة القراءة التي تشرف على إصدارات غاليمار.  

س-هل بوسع الشخص في مدينة بوردو أن يكون إباحيا ومتحرِّرا من كل القواعد ؟

ترجمات غاستون باشلار :طائر العنقاء (الحلقة الأخيرة)
2024 - 09 - 28

بهدف تحقيق السعي الذي أتوخَّاه والمتمثِّل في إبراز الصور الأدبية ضمن راهنها،يمكن اعتبار صورة طائر العنقاء لم يُستحضر قط اسمه أكثر قيمة من قصيدة تعليمية.سأحاول تجميع بعض الأمثلة عن''طيور العنقاء الضمنية''التي توضِّح لنا بأنَّ طائر العنقاء بمثابة نموذج أولي عن خيال النار.

حدَّد جان أندري وولWahl عبر مقاطع قصيدة كتبها أولا بالانجليزية ثم ترجمها بنفسه إلى الفرنسية(22)،سمة فلسفية أساسية حول الطائر المدهش،''الطائر السعيد''،تتجلَّى في حضوره''دونما سبب''،وقد انتشلته تماما بهجة إيقاظ الكون.

لاأعرف هل أدرك جان وول،الذي يستشهد بهيرقليطس،توهُّج قصيدته في خضمِّ أسطورة طائر العنقاء.صورها جديدة للغاية تدفعني للإقرار بإعادة تحديث الأسطورة،إنَها أسطورة تولد من جديد بل خلال مرتين.أيّ سعادة تحظى بها القراءة حينما نعيش القصيدة من خلال لغتين،بالتالي تخيُّلها وتأمُّلها مرتين،ثم التحرُّر من تقليد أدبي متحجِّرٍ !    

هاهي قصيدة : طائر السعادة                  

بفضلكَ،سعادتي متوازنة،

هكذا،دونما سبب

وسط هذا العالم العميق و الشاحب،

ليست مثل سعادة الصوفيين العقلانية،

لكن على منوال هيراقليطس الذي يضحك أو جوقة كوميدية وسط بروميثيوس،

دونما سبب،أنتَ سبب وجودكَ،

يثقلني ابتلاع زفرات،ثم رشيق نتيجة أشعَّة تجمَّعت،

أتأملكَ تحلِّق بقوة وتهتزُّ مع ارتفاع خفقان أجنحتكَ؛

ثم تخترق الزمان بشدوِ توقُّدكَ،وتلدغ الأبدية.

حاليا،أرهفُ السمع إلى صرختكَ الناشئة،

سعادة طائر ! 

يبحث جان وول،بين طيات تأويله لولادة قصيدته(23)،عن حصر أسماء فلاسفة كبار سابقين ألهموه فعليا طائر السعادة.لم يحدِّد اسما بعينه،لذلك أشار إلى كيركجارد،نيتشه بل وديكارت.أيضا،يتذكَّر صورا شعرية لويليام ووردزورث Ùˆ وبيرسي شيليثم تشعرنا  Ø§Ù„سطور الأخيرة لحديثه،بأنَّ اندفاع الطائر السعيد بمثابة تجاوز للحزن الجذري،بحيث  ÙŠØ³ØªØ­Ø¶Ø± كيركجارد وهيدغر.

باعتباري شخصا ينحدر من منطقة شامبانيا،أرى جان وول مَرِحا يبحث بلا جدوى ضمن حيثيات الجوانب الفكرية في ثقافته عن الحافز المبدع الذي يتأتَّى منه طائر السعادة.بالنسبة إليَّ،الجواب عن تساؤل جان وول بسيط للغاية :القصيدة بدورها مثل طائر يتقلَّب بين أحضان الأبدية الصادحة،قصيدة بلا سبب مباشر نفسي أو ثقافي،قصيدة تسمى طائر العنقاء. 

يجسِّد الشرود الشعري للفيلسوف- الشاعر،حول طائر السعادة،انكشافا لنمط بدائي أولي.يعتبر،مثلما الشأن مع مختلف الأفعال المبدعة،مصدرا لكل شيء يحدث بلا سبب،غالبا بكيفية أولية،مخترقا بوثبة بؤس التاريخ النفسي الذي يشكِّل موضوع أبحاث الأخصائي والطبيب النفسي.يشبه الفعل الشعري فعلا أساسيا يتجاوز دفعة واحدة الصور المرتبطة بالواقع.يبتهج طائر السعادة لدى جان وول،إبَّان التحليق مثلما يتحدث مقطعان شعريان كبيران لويليام بليك استشهد بهما جان وول عند فقرة أخرى من كتابه(24:

حوارات أبراهام السرفاتي : ممكنات استراتجية الدولة الفلسطينية الديمقراطية
2024 - 09 - 16

تقديم :

تزامن هذا الحوار مع أبراهام السرفاتي،بمناسبة انعقاد مؤتمر السلام في مدريد عام 1991 ،برعاية الولايات المتحدة الأمريكية،ومشاركة منظمة التحرير الفلسطينية والأردن ولبنان ومصر وسوريا. محاور اللقاء مع السرفاتي،العارف جيدا بحيثيات القضية الفلسطينية وتاريخها وأفقها ومختلف أبعادها النضالية،وأحد أشدّ أعداء المنظومة الصهيونية المتطرِّفة، تطرقت إلى الموضوعات التالية :

 Ø§Ù„دواعي الحقيقية لانعقاد مؤتمر مدريد،جدوى مشاركة منظمة التحرير الفلسطينية، مستقبل الدولة الفلسطينية الديمقراطية،حقوق الشعب الفلسطيني،النضال الفلسطيني وسلبيات البيروقراطية،ممكنات النضال الاستراتجي والتكتيكي،لبنات الثورة الفلسطينية ومنطقة الشرق الأوسط،الانتفاضة،اليسار الفلسطيني وحماس،الصهيونية ومرجعياتها الدينية، اضطهاد اليهود الشرقيين،تناقضات المنظومة الإسرائيلية،مستقبل النضال الفلسطيني وسؤال ما العمل؟  

س- بعد انهيار الكتلة الشرقية،نهاية الحرب الباردة،حرب الخليج،''النظام العالمي الجديد''،تتَّجه الأنظار حاليا إلى انعقاد مؤتمر السلام في مدريد، ماتصوركَ في هذا الإطار؟

أبراهام السرفاتي :ماالأسس التي وفقها  Ø§Ù„تأم مؤتمر مدريد؟الالتزام الوحيد المتداول،إجراء مفاوضات حول الوضع النهائي للأراضي المحتلة في غضون ثلاث سنوات من الاستقلال.بينما لايوجد التزام ثان غير هذا،أساسا مايتعلق بالدولة الفلسطينية،ولاديباجة نصٍّ أمريكي يتصور مستقبل الدولة الفلسطينية.النتيجة الوحيدة،استقلال أفراد دون الأرض.لذلك،أعلن إسحاق شامير،بأنَّ هذا الاستقلال لايمنع يهود العالم كي يواصلوا التواجد في''يهودا Ùˆ السامرة''.يتعلِّق فعليا هذا المشروع الأمريكي-الإسرائيلي بكامب ديفيد أخرى قد اتَّسع مجالها أكثر.يكمن الهدف في إفساح المجال أمام حافظ الأسد كي يلج منظومة كامب ديفيد،مع احتفاظه بصورة القومي العربي.بمجرد استدراج سوريا،سيتمُّ العمل على تحطيم منظمة التحرير الفلسطينية التي تظلُّ رغم كل عيوبها القوة الثورية في المنطقة،المعطى الذي أرادت باستمرار أمريكا وإسرائيل اجتثاثه،منذ مبادرة ويليام روجرز سنة 1970،ويتواصل السعي غاية اليوم إلى تصفيتها،باقتياد منظمة التحرير الفلسطينية وجهة تنازلات تؤدي إلى تصفيتها ذاتيا سياسيا.هنا يكمن في اعتقادي مشروع مؤتمر مدريد. 

س-ألم يكن ضروريا بالنسبة إلى الفلسطينيين المشاركة في مدريد؟

أبراهام السرفاتي :نعم،أعتقد بأنَّه ليس ضروري،لقد وافقوا على الاستقلالية،لكنهم لن يعيشوا ذلك قط،بحيث فقدوا ذلك سلفا،رغم ادعائهم بأنهم يعتبرون الاستقلال مثل مرحلة أساسية بالنسبة للشعب الفلسطيني.استقلال يقتصر على الأشخاص بينما يستمرُّ انتماء الأرض إلى إسرائيل،هنا مكمن المؤامرة. 

س-ألا تظنُّ في إمكانية استثمار الفلسطينيين لهذا المؤتمر كمنصَّةٍ؟

أبراهام السرفاتي : الآن وقد ذهبوا إلى لقاء مدريد،يجدر بهم فعليا توظيف المؤتمر كمنصَّةٍ. بهذا الخصوص،تتبدَّى بعض المؤشِّرات الايجابية على مستوى المفاوضات،فليست كلِّيا سلبية،غير أنها تقتضي استراتجية أكثر،وغيابها غير مرتبط حقيقة بالزمن الحاضر بل تعود إلى خمسة عشر سنة.يمكن الإقرار،بامتلاك منظمة التحرير الفلسطينية لاستراتجية بين سنتي 1968-1969،خلال فترة بلورة مفهوم الدولة الديمقراطية الفلسطينية،كان أبو إياد(صلاح خلف)مهندسها الرئيسي،ثم حدث التخلي عنها فعليا سنة 1975 حينما صارت المرحلة التكتيكية غاية في ذاتها.بالموازاة،تخلَّت منظمة التحرير الفلسطينية عن الصراع السياسي والإيديولوجي ضد الصهيونية.هنا يكمن خطأها،وتركيزها فقط على مكاسب دبلوماسية قصيرة الأمد.بالتالي،تسير التنازلات التي تمَّت شهر دجنبر 1991 ،خلال مؤتمر مدريد ضمن نفس منحى القبول بالحلِّ رقم 242 ،الذي أصدره مجلس الأمن سنة 1988 . اعترفت منظمة التحرير الفلسطينية بالدولة الإسرائيلية بشكل واضح وملحوظ،قصد بلوغ إمكانية المفاوضات الدبلوماسية المباشرة مع الولايات المتحدة الأمريكية.لقد استساغت حتى قبل ذهابها إلى مدريد مفهوم الاستقلال الجزئي.لو تمسَّك الفلسطينيون باستراتجيتهم التي تطلَّعت نحو إنشاء دولة فلسطينية ديمقراطية،لأمكنهم تحقيق شروط أخرى بمناسبة هذا المؤتمر،علما بأنه منذ حرب الخليج اختلَّت موازين القوى ولم تعد لصالحهم.تعني دلالة ''النظام العالمي الجديد''عدم تحرُّك أيّ شيء في المنطقة.بينما يظلُّ الإشكال الفلسطيني، البذرة الثورية التي بوسعها تحريك منطقة الشرق الأوسط.لذلك تستهدف المخطَّطات الأمريكية سحق الشعب الفلسطيني عبر تنظيمه الوطني.يلزم تغيير علاقات القوى،عمل يقتضي أجلا طويلا.أفق يحتِّم على المناضلين العرب،والذين يناضلون من أجل القضية الفلسطينية،امتلاك منطق معين.نقول بأنَّ الصهيونية إيديولوجية عنصرية،ثم أيضا مفهوم مصطنع،في نطاق نزوعها كي تخلق مختلف أجزاء دولة وشعب أسطوري،الشعب اليهودي.إما يوجد هذا الشعب،حينها انتقاد الصهيونية ليس له من دلالة،لأنَّ الشعب اليهودي على أرضه : Ø£Ø±Ø¶ الميعاد.بالتالي،إذا مُسَّ سنتيمتر مربَّع من أرض الميعاد،تنهار ضمنيا جلّ مرتكزات الهندسة الإيديولوجية الصهيونية.لذلك، لن تقبل الأخيرة بإعادة تسليم ولو شِبْرٍ واحد من الأرض.أو لايوجد قط هذا الشعب اليهودي،وإسرائيل مجرد دولة مصطنعة يلزمها التداعي.لاأشك في صدق أهل اليسار،ولاأيضا مناضلي جماعة ''السلام الآن''.غير أنه طوباوي من  يتخيَّل إمكانية تنازل الصهيونية عن جزء من أرض الميعاد.حقيقة،تستدعي النضال ضد الصهيونية قصد بلوغ السلام واستعادة الأراضي المحتلة.تحافظ قوى اليسار الغربية على أوهام ''السلام الآن''مادامت بنية هذه الحركة متناقضة.هناك من جهة،إرادة صادقة للوصول إلى السلام عبر استعادة الأراضي المحتلة،ثم في نفس الوقت،يكمن ارتباط بالإيديولوجية الصهيونية،ممَّا يكشف عن وضعية متناقضة للغاية.لايمكن للدولة الإسرائيلية الانصياع لمسألة إعادة الأراضي المحتلة.

تحميل المزيد
لا مزيد من المشاركات لاظهار