(1)
الترجمة،أن تنتج بوسائل مختلفة تأثيرات متماثلة(بول فاليري،شاعر فرنسي).
(2)
القارئ المثالي مترجِم. إنَّه قادر على تشريح نصٍّ،ونزع جِلده،ثم تجزيئه غاية النُّخاع،وتعقُّبِ كلِّ شريان وبعدها تشكيل كائن حيٍّ جديد''(ألبرتو مانغويل،مترجم أرجنتيني).
(3)
يشكِّل الكُتَّاب أدبا وطنيا بينما يبلور المترجمون أدبا كونيا(جوزيه ساراماغو،روائي برتغالي).
(4)
تعتبر ترجمة لغة إلى أخرى أكثر التمارين الفكرية رِفعة؛في المقابل،تبدو باقي الألغاز الأخرى،من لعبة البريدج إلى الأحجيات،تافهة ومبتذلة.تناول قطعة إغريقية وترجمتها إلى الانجليزية دون تضييع أيِّ شيء،كم يبدو هذا التمرين رائعا !(سيريل كونولي،روائي بريطاني).
(5)
بغير الترجمة، نقطن صمتا أراضي مجاوِرة(جورج ستاينر، ناقد أمريكي).
(6)
ضمن حلقات ترجمة كلاسيكيات غاستون باشلار،التي بادر إليها الباحث سعيد بوخليط،أصدرت دار خطوط وظلال للنشر والتوزيع،عملا جديدا من تراث باشلار الشعري-النقدي،تحت عنوان :"شظايا شعرية النار''،بعد كتاب ''الهواء وأحلام الرؤى،دراسة في خيال الحركة''،الصادر سنة. 2023
انطوى العمل الجديد على ثلاثة فصول أساسية،تناولت حضور عنصر النار بين طيات أساطير''طائر العنقاء''،"بروميثيوس"،"أمبادوقليس''،عبر جملة إحالات شعرية،ومقدِّمتين شارحتين باستفاضة لسياقه الفكري،واحدة كتبها غاستون باشلار وأخرى بقلم ابنته سوزان.تخبرنا إحدى فقراتها عن حيثيات مراحل هذا المشروع :
"من الضروري أن نكشف بلا كلَلٍ أمام الجماهير الكادحة لمختلف البلدان،لاسيما المجموعات المتخلِّفة،الخداع الذي تؤسِّسه القوى الامبريالية،بدعم من الطبقات التي تعيش حظوة داخل البلدان المضطَهَدَة،التي تتوخى الإيهام بكونها مستقلة سياسيا غير أنَّ حقيقة واقعها يؤكِّد تبعيتها الاقتصادية،المالية والعسكرية.يمكن استحضار نموذج واضح عن الخُدَع التي تعيشها الطبقة العمالية داخل البلدان الخاضعة عبر توافق مجهودات الامبريالية المتحالفة وكذا بورجوازية هذا البلد أو ذاك،أقصد تحديدا المسألة الصهيونية في فلسطين، وفق ذريعة خلق دولة إسرائيلية هناك،حيث عدد اليهود ضئيل،وجعلت الصهيونية العمال العرب السكان الأصليين،عرضة إلى الاستغلال الانجليزي''لينين(الأطروحة السادسة حول المسألة القومية والاستعمارية،المؤتمر الثاني للأممية الشيوعية،1920).
"تماثل مهمة إسرائيل في الشرق الأوسط نفس ماتقوم به الولايات المتحدة الأمريكية في فيتنام''(تصريح ليفي إشكول رئيس وزراء إسرائيل قبل وفاته سنة 1969 ).
نتيجة حرب فيتنام،صارت القضية الفلسطينية تشغل طليعة المشهد الدولي. مثَّلت لحظة اتخاذ الشعب الفلسطيني قرار حمل السلاح كي يحدِّد إراديا طبيعة مصيره،ثم تحرير وطنه من الاحتلال الصهيوني،موعد يوم مشهود،قصد إماطة اللثام عن واحدة من أكبر مظاهر الظلم التي عرفها التاريخ،والانكشاف حسب صورته الحقيقية أمام أنظار جماهير واسعة من الرأي العام الدولي.
لم تعرف أيّ قضية استعمارية طمسا مثلما حدث لفلسطين،فقد أدركت الصهيونية خلال فترة طويلة،كيفية المناورة قصد تعتيم الحقيقة وخداع وعي ملايين الأفراد في العالم، حدّ جعل أذهانهم غير مكترثة بتراجيدية الشعب الفلسطيني،الذي سُلِبَت أرضه،وجُرِّدَ من ممتلكاته،ثم اختزاله إلى مجرَّد''شعب لاجئ''يعيش تحت كنف''الصدقات الدولية''.
طيلة مدَّة،أدرك القادة الصهاينة بدهاء سبل اللَّعب على التناقضات بين الدول العربية،وكذا التناقضات الداخلية لهذه الأخيرة،وجوانب ضعفها،وأخطائها،لصالح نفوذ الامبريالية التي تضطهدهم،بناء دائما على هدف استراتيجي يسعى إلى توطيد الدولة الإسرائيلية انطلاقا من الأرض الفلسطينية،بعد قرار التقسيم الصادر عن الأمم المتحدة سنة 1947،فاقترفت بذلك أفظع خطأ في تاريخها.
حاليا تغيَّرت أشياء كثيرة.صارت المقاومة الفلسطينية تجسيدا و تعبيرا عن الشخصية الوطنية للشعب الفلسطيني،وحقِّه في استعادة أرضه المستلبة،ثم تأكيد إرادته لخوض معركة تحرير وطنية حتى آخر رمق،غاية تحقيقه تطلعاته الوطنية.
يتبدَّى بوضوح أكثر من أيِّ وقت مضى،الوجود المجحف للدولة الإسرائيلية،ليس فقط جراء تطور المقاومة الفلسطينية،لكن أيضا نتيجة تمدُّد الاستيطان الصهيوني نحو مناطق عربية أخرى منذ عدوان يونيو 1967،في إطار بلورة الحلم الاستعماري الصهيوني بخصوص''الإمبراطورية الإسرائيلية التي تمتدُّ من النيل إلى الفرات''.
تشكِّل جوهريا الإشكالية الفلسطينية،قضية تحرير وطني،وأضحت جزءا لايتجزأ من نزاع شامل يتوخى تصفية حركة التحرير العالمية ضمن صراعها مع الامبريالية والاستعمار.يستحيل على كل خدعة صهيونية،أو ادِّعاء ديماغوجي لبعض القوى الرجعية العربية،إخفاء هذه الحقيقة الحاسمة.تعتبر حركة التحرير الفلسطينية،الأولى التي أكَّدت ثانية المبدأ وبكيفية متواصلة،كما دفعت مناضليها نحو استلهام مرجعيات هذا الفكر.
أعيد التَّذكير بمقطع نصِّي تضمَّنه كتاب التَّحليل النفسي للنار :''يضمر الإنسان إرادة تعقُّلية حقيقية.نستخفُّ بالحاجة إلى الفهم مثلما تصوَّرته وفعلت حياله البراغماتية ومعها البرجسونية،بالاعتماد مطلقا على مبدأ الفعَّالية.لذلك،أقترح تصنيفا تحت اسم عقدة بروميثيوس مختلف الميول التي تدفعنا كي نعرف ضمن مستوى آبائنا،وأكثر منهم،ثم عند ذات مستوى أساتذتنا،بل وأكثر منهم''.
تضاف غالبا إشارة التمرُّد إلى مختلف الإشارات التي أضفيت على أسطورة بروميثيوس،بحيث نتحسَّس راهنية العقدة.نحتفظ فقط من أسطورة بروميثيوس غواية التمرّد.بناء عليه،تمتلك العقدة واقعية جليَّة.لكن ليس مستعصيا العثور على أثر ضمن أقدم الأساطير.سأشير إلى بعضها،حسب أسلوب علماء الإثنولوجيا(6)المحايد طوعيا.
مثلا،السَّرد المسهب لصاحبه جيمس فريزر،بين صفحات كتابه''أسطورة أصل النار''في بولينيزيا (ص 78)،بحيث نرى أبا يتجنَّب إخبار ابنه عن مكان وكيفية طهوه الطعام.يحذَر الأب من ابنه''المفعم بالسخرية والعاشق للهزل''.يدفع الفضول الطفل كي يسرق النار.
سرد مشحون بالوقائع،يرتدُّ إلى سجالات لانهائية.حينما سُرِقَت النار من القدامى، ينبغي إظهار مزيد من التمرُّد نحو الأب الذي يأمر ابنه كي :"لايحمل النار معه؛غير أنَّه مرة أخرى يفشل الفكر المتوازِن للأكبر سنّا أمام شيطنة الأصغر سنّا".
تنطوي كل سرقة،وعصيان على إحالة إلى بروميثيوس،فقد أضاف جيمس فريزر على نحو بديهي(ص 81) :''هناك شيء في أسطورة تونغا الفظَّة،يذكِّرنا ببروميثيوس الإغريق الكلاسيكيين''.