ترجمات فيليب سوليرز : نجاحات و إخفاقات الطليعة
2024 - 07 - 13

دأب فيليب سوليرز،بوتيرة منتظمة،طيلة ستين عاما،من خلال عدَّة حوارات ،على استحضار تاريخ وكذا استراتجية المجلَّتين اللَّتين أشرف عليهما،أقصد "تيل كيل'' و''اللانهائي".يعود تاريخ هذا الحوار إلى ربيع 2019،أربع سنوات قبل موته،أجراه معه الفيلسوف مهدي بلحاج قاسم،صدر ضمن موضوعات العدد المزدوج 7/6،وانصبَّ النقاش على''تشريح أطياف وأشباح الطليعة التاريخية،متسائلا عن نجاحاتها وكذا إخفاقاتها''.

تاريخ الطليعة،أو الطلائع بصيغة الجمع مثلما فعل غودار مع تواريخ السينما،بحيث حاولت مجلة ''بالصدفة''خلال مناسبات متواترة إعادة طرح المفهوم.

 اختتم سوليرز الحوار الحالي،بنفس مقولة عنوان لقاء  صدر سنة 1978 بين صفحات ''ارتجال''،مستشهدا بأرثر رامبو :''الانتقاء.نعيش حقبة فرز.على أيَّة حال،الساعة الجديدة،صعبة للغاية.هي الفرز"

س-أشرفتَ السيد فيليب سوليرز،على مجلة تيل كيل لمدة ثلاث وعشرين سنة،وقد اعتُبرت بالتأكيد أهمَّ مجلة أدبية ''طليعية''،أصدرتْ لبعض كبار كتَّاب النخبة خلال فترتهم،مثل بيير غيوتا،موريس روش،جان جاك شوهل،وأنت بجانب جامعيين آخرين لم يكونوا معروفين كما الشأن مع جاك ديريدا، رولان بارت، و جيرار جينيت. نشرت أيضا كتابات لبيير بوليز،جان لوك غودار،والذين جَسَّدوا صحبة هؤلاء الكتَّاب والمفكرين ،رموز واجهة النخبة على مستوى مجالات كل واحد.سنة 1983،غادرتَ منشورات سوي،حيث صدرت المجلة ومؤلفاتكَ لدى مكتبة غاليمار،كي تبادر إلى تأسيس مجلة ''اللانهائي''التي اختلف عنوانها عن ''تيل كيل''.انعكس هذا الانتقال على مساركَ الأدبي عبر التحوُّل الذي عكسته روايتكَ''جنَّة''(1981)،نصّ روائي متدفِّق دون علامات ترقيم طيلة ثلاثمائة صفحة،ثم روايتكَ الأخرى''نساء''(1983)،وقد استعادت أسلوبا وصفيا،نفسيا ورائيا ''كلاسيكيا'' نسبيا(أودُّ الإدلاء بهذه التصورات دون إضمار نيَّة إصدار حكم.وفق معنى معين،ف"شكل''رواية النساء يعكس ''محتواها''،الذي انطوى سلفا على نهاية فترة النخبة).غالبا ما أُوِّلَ مساركَ كخيانة لتلك الحقبة،وضمنها فكر''طليعي"معين يمتثل إلى ''الاتجاه العام''.عموما،أعتقد،بأنَّ إحدى الوقائع ''البارزة''لانهيار النخبة،يكمن في نهاية مجلة ''تيل كيل''،التي صاحبها تخلٍّ شبه تامّ عن كل تقنية''تجريبية''في كتابتكَ،ثم إحدى الإشارات التاريخية الأكثر إثارة بخصوص تفكُّكِ منظومة النخبة.بالتالي،سنحاول هنا إخضاع ماتبقى منها لتشريح أوَّلي.خلال بداية الستينات،أسَّسْتَ مع جان إيديرن هاليير مجلة تيل كيل،التي صارت فيما بعد أكبر مجلة أدبية لطليعة تلك الحقبة.لم ينظر إليها،إبان سنواتها الأولى، كمجلة للنخبة.بل جاء النموذج بالأحرى،على أنها مجلة فرنسية جديدة،شَكَّلت منبرا لإلهام غاليمار طيلة القرن العشرين.اليوم،نصادفك ثانية داخل بناية غاليمار وأنت تشرف على مجلة''اللانهائي''وكذا عناوين السلسلة طيلة ثلاثين سنة.إذن،كي أضع بداية لهذا السؤال :أين تحدِّدُ المنعطف ''الطليعي'' لجماعة تيل كيل؟

ترجمات غاستون باشلار :طائر العنقاء (الحلقة2)
2024 - 06 - 27

استطاع شاعر ميتافيزيقي كما الشأن مع توماس ستيرنز إليوت،ملامسة واقعة طائر النار المبهِرَة ضمن تجرُّدها،مثل استراحة للزمن.كاتب مرهف الحس،راكم جملا متناقضة غاية أقصى مستويات حميمتها،تصاحبها تباينات عديدة،حول طائر الرفراف،طائر العنقاء في أريافنا،نار محلِّقة،وردة النار،يحيا بين طيات وميض الخيال

تروي إحدى مقاطع ''سيدة نوهان''مصادفة كائن وحيد عند طريق بقرية بيريشون :''طريق يقود نحو وجهة،لاأحد منكم ،أعزائي القراء ،قد مرَّ منها قط تقريبا،لأنها لاتفضي لمكان يستحق عناء  تورُّط من هذا القبيل، سوى لدى متهوِّر.تحدُّه حفرة، تنمو وسط مائها الممزوج بالوحل،أجمل زنابق الماء الموجودة في العالم،أشدُّ بياضا من أزهار كاميليا،وأكثر عطرا من السَّوسن،ونقاء من ثياب العذراء،وسط أنواع السمندل وكذا الثعابين التي تعيش هناك في تربة الوحل وبين النباتات، يحلّقُ الطائر الرفراف،فيضيء هذا الحيّ ضفافا،كأنَّه إشراقة نار فوق الغطاء النباتي البريِّ المدهش  للمستنقع''(1).هكذا،حضرت صورة طائر النار كي يضع النص نقطة نهاية لتحمسه الأدبي.

ترجمات لماذا الترجمة؟
2024 - 06 - 20

إنَّه سؤال الماهية،المرتبط حقيقةً بمجملِ اختياراتي في هذه الحياة.لذلك، فلحظةُ الترجمة التي أدركتُها وبلغتُها خلال مرحلة من مراحل تطور ممكناتي،وجودياً أولاً وأخيراً،موصولة أساساً بأفق من هذا القبيل.هكذا،صارت الترجمة،في الحدود المتواضعة التي اختبرتُها غاية الآن، جزءاً من تحقّق كينونتي على نحو مختلف،بحيث أسعى ثانيةَ ملامسة كنه هويتي، بكيفيات متعددة وبأصوات مغايرة :فالقراءة هوية،ومحاورة النص هوية، والترجمة باعتبارها كتابةً ثانية هوية.بالتالي، يتحقق عن طريق الترجمة تبلور صحيّ وملائم كي أضفي حيوات عدَّة على وجودي،وأستمر حيّا.أتجاوز سطوة الحياة الواحدة - أي الموت - بكل تفاصيلها.

ترجمات أبراهام السرفاتي : الطائفة اليهودية المغربية والصهيونية
2024 - 06 - 09

سيقال لي،مثلما سمعت ذلك سابقا،لماذا لازلتَ تنشغل غاية اليوم بالقضية اليهودية المغربية؟بل لنترك هذه الطائفة تتقلَّص غاية حدَّ أبسط تعبيرها،بحكم مفعول الهجرات،حينها لن يغدو إشكالا أمر المتعنِّتين.

حقيقة،تتوخى هذه المقالة تسليط الضوء على المكوِّن اليهودي المغربي في شموليته، سواء من ظلُّوا متماسكين هنا،أو منتشرين ومتشرِّدين في الغرب،ثم فئة أخرى وجدت نفسها قد نُقِلت إلى دولة انطوى اسمها على دلالة بالنسبة إلى اليهود لكنهم اكتشفوا حاليا،بأنَّه خلف هذا السعي يتوارى مشروع للتفقير و البَلْترة،وكذا تدمير ثقافي ومغامرة عسكرية وعنصرية.هكذا،خُدِعَ اليهود المغاربة،في إطار تحايل عام على اليهودية،تَوَّجَ الفعل الاستعماري الاستئصالي الذي انطلق مخطَّطه منذ قرن.

أتطلَّع عبر تحليل هذا المسار،وجهة بلورة تقاسم قناعة شخصية،تعزَّزت نتيجة دراسة وثائق الماضي أو الحاضر،مفادها أنَّ الطائفة اليهودية في العالم العربي،وقعت أسيرة الصهيونية.قناعة تعبر عن تضامنها العميق مع الثورة العربية،وتتوخى بالتالي المساهمة في  تفكيك بنية المشروع التاريخي الأخير للرأسمالية المتمثِّل أساسا في احتجاز اليهود عالميا داخل غيتو، وأيّ غيتو!

قصد المساهمة في بلورة تجليات من هذا القبيل،تبرز جوهرية البحث الجدِّي عن الحقيقة.لاأدعي بهذا الخصوص،امتلاكي قدرة تفوق الآخرين.لكن،الارتكاز على معايير ومبادئ الاشتراكية العلمية قد يتيح إمكانية التخلُّص قدر مايمكن من الذاتية.خلفية مرجعية،تعني أيضا استحضار الاهتمام،بمعطيات البنية الفوقية،الثقافة،الايديولوجيا، الدين.مادام تاريخ الصهيونية نفسه،من خلال مآزقه التي تبلورت وتطورت،يقتضي الالتفات إلى هذه المعطيات دون الاكتفاء دائما بعزلها وتحويرها.

من ناحية أخرى،ارتأيت بين فقرات هذه الدراسة،قدر المستطاع،عدم الإشارة كثيرا إلى الأسماء.مادام التاريخ سيعمل على تصفية حساباته مع البعض.عندما تدقُّ ساعة تحقُّقِ اكتشاف ثانٍ لدروب جديدة فيما يتعلق بالتعايش اليهودي-العربي.مع ذلك،لن أتردَّد قط في توجيه النقد إلى من يواصل غاية اليوم،داخل الدولة الصهيونية،مشروعه التضليلي.

قصد تسريع وتيرة هذا الوعي،يجب على الحركة الوطنية،انتقاد أساليب النزوع البورجوازي القومي،تقريبا محاولة تأويل الصهيونية كظاهرة معزولة وموصولة فقط بالعوامل الدينية.

في العالم العربي،دشَّنت حركة فتح الطريق،قبل حرب يونيو.1967وضع يفترض نتيجة تأثيراته المستقبلية المهمة،توجيه تحيَّة الإشادة،إلى سياسيين طالما بقوا وحيدين هنا،استطاعوا التموضع في خضَمِّ سبيل حظي اليوم بانضمام مجموع الهيئات الوطنية.يبقى مطروحا،تحويل ذلك إلى حقيقة على مستوى الحياة اليومية،بالتالي العثور ثانية على الحقيقة الوطنية ثم إعادة بنائها.

*الطائفة اليهودية المغربية قبل الاستئصال :

وجب التوضيح،بأنَّ مسألة الاقتلاع من الجذور تعتبر سيرورة،ولاترتبط بتاريخ معين.حاليا،ماتبقى هنا من الطائفة اليهودية المغربية،يعيش بكيفية منطوية على الذات،بالتمركز أساسا داخل نطاق الدارالبيضاء،المدينة النمطية على مستوى اقتلاع الجذور.

تظل حديثة تماما،الحقبة المزدهرة والحيوية للجماعات اليهودية.احتفالات أحياء الملاَّح في مدن فاس،صفرو،سلا،وكذا أخرى،ومنذ عشر سنوات جرى تعايشها في الأطلس والجنوب. رغم المجهود الاستعماري الذي استغرق قرنا من الزمان ثم تمثَّلته الصهيونية وطوَّرته ! .

قيل كل شيء،حول هذا الماضي،مع ذلك،لازال الموضوع في حاجة إلى قول كل شيء.استند جميع الملاحظين على المرجعية الغربية.استعماريون أو صهيونيون،بهدف تشويه هذا الماضي،عمدا في أغلب الأحيان.وطنيون أو ببساطة ملاحظون أكثر موضوعية، يسعون إلى تحديده ضمن إطار مأزق تاريخي،يُقَدَّم طبعا ك''عصر ذهبي''،موصول فقط عاطفيا مع المستقبل.

إنَّ إعادة النظر في المرجعية الغربية وكذا إعداد منظور مستقبلي نوعي،بحيث تبلور المشروع في العالم العربي منذ يونيو 1967،يتيحان إمكانية  استعادة هذا الماضي، وإحيائه ثم ربطه بالمستقبل.يقتضي ذلك،في كل الأحوال،هزم التَّضليل الاستعماري والصهيوني،صحبة المزيِّفين.

أندريه شوراكي،الأمين العام للاتحاد الإسرائيلي العالمي،أنجز عدَّة مؤلفات حول موضوع الطائفة اليهودية في شمال إفريقيا والمغرب.تحت غطاء الموضوعية القانونية،أتاحت إحدى أعماله إمكانية الإعلان سنة1951 من طرف الجريدة الصهيونية ''نوار''،التي نفتت سموما ضمن صفوف الشباب اليهودي بين سنوات 1945 و1952،عن فكرة فضل فرنسا بخصوص:''تحرُّر اليهودي اللامتناهي من استبداد أبقاه مستسلما إلى رضا أسياده''.

ما الذي يعتقده ،ليس السيد شوراكي المتموقع جيدا داخل منظومة الدولة الصهيونية، بل الذين ساعدوه على التضليل،إذا تذكَّروا لقاء لنائب رئيس التحالف سنة 1947،حين تأكيده بأنه تحالف يسعى كي يصير ملاذا يهوديا بالنسبة للناجين من النازية،و :"تطرح أيضا إشكالية معرفة مستقبل فلسطين.لن يجيب بطريقة جازمة،لكن قناعته تؤمن بأنَّها  قضية"سيتمُّ تدبيرها''.مادام''عكس ذلك يشكل كارثة حقيقية''،يؤكد المتكلِّم''(جريدة نوار،العدد9 ،ماي 1947 ).

بالعودة إلى ''الاستبداد'' المشار إليه أعلاه.استبداد غريب يسمح لتلك التجمعات المنزوية عند الجبال وكذا الجنوب،قصد الاستمرار طيلة قرون،في مأمن،صحبة عاداتهم وممتلكاتهم وكذا حقوقهم.     

لم يرتبط فقط التعايش اليهودي-العربي، بحضارة منبجسة،حضارة دفعت كاتبا يهوديا معاصرا إلى قول التالي :"لقد تشكَّل الإسلام من خلال شحم ولحم اليهودية.بمعنى، إعادة تصميم وتطوير لها،مثلما الشأن تحديدا بخصوص ارتباط اللغة العربية الوثيق باللغة العبرية.هكذا أمكن الديانة اليهودية استمالة هذه الحضارة السائدة،وخلال الوقت نفسه الحفاظ على استقلالها وجوهرها بكيفية سلسلة جدا مقارنة مع سياقي المجتمع الهيليني في الإسكندرية أو في العالم الحديث.لم تجد أبدا الديانة اليهودية علاقات وثيقة جدا في غضون حالة خصبة جدا سوى بين طيات الحضارة الوسطى لإسلام العرب''(شلومو دوف غويتن.اليهود والعرب، باريس 1957 ).

تحميل المزيد
لا مزيد من المشاركات لاظهار