ريجيس دوبري مثقَّف يساري مشهور،فهو مفكِّر وصحفي وفيلسوف فرنسي معاصِر وأستاذ أكاديمي.شغل منصب أستاذ للفلسفة بجامعة هافانا في كوبا عامَ 1965، وفي تلك الفترة توطَّدت علاقته بتشي غيفارا،وسافَر إلى بوليفيا حيث انضمَّ إلى حركته الثورية. تولى مسؤولية عدد من المناصب السياسية؛فعُيِّن مستشارًا للرئيس الفرنسي فرنسوا ميتران في الشئون الخارجية عامَ 1981،ومستشارًا فخريًّا في المحكمة الإدارية العليا الفرنسية في مجلس الدولة،كما أسَّس المعهدَ الأوروبي للدراسات الدينية في عام 2002، وأشرف على رئاسةَ المجلس العلمي للمدرسة الوطنية لعلوم المكتبات والمعلومات في باريس.
من أبرز أعماله:''حرب العصابات''، ''القوة الفكرية في فرنسا''،''الكاتب: نشأة السياسة''،''نقد العقل السياسي''،''المدارس العلمانية''،''النار المقدَّسة''،''على جِسر أفينيون"، ''الثورة التشيلية،"ثورة داخل الثورة"،"محاربو غيفارا"،سلطة المثقفين في فرنسا" ،"دروس في الميديولوجيا العامة"،"حياة وموت الصورة"،"النار المقدّسة"،"خطأ في الحساب"، "القرن الأخضر"…
*مارك هالتر :كاتب وناشط فرنسي،يهودي من أصل بولوني،ألَّف عدة روايات تاريخية تطرَّقت لتاريخ الشعب اليهودي،ترجِمت إلى عدَّة لغات منها الإنجليزية والبولندية والعبرية…
باسكال بونيفاس :يمكن التأكيد من خلال أعمالكما الأخيرة أنَّ ريجيس دوبري يجسِّد ''تفاؤل العقل''،بينما يلوِّح مارك هالتر ب''تفاؤل الإرادة''.مارأيكما في هذا التصنيف؟
ريجيس دوبري :فعلا،لاأملك طاقة وقوة الأمل التي يضمرها مارك هالتر.وجب القول ببساطة بأنِّي أفتقد لنفس الإيمان.بناء على ملاحظاتي يلزمني الإقرار بالمأزق الذي تعيشه منطقة الشرق الأوسط.
مارك هالتر :أتَّفق مع هذه الملاحظة.لكني أتموقع في إطار منظور تاريخي.أساس مأساة البشر عدم توافق مفهوم الزمان في التاريخ مع سلَّم زمان الحياة الإنسانية.تخلِّد إسرائيل الذكرى الستِّين لإعلانها الاستقلال.سنوات اختزلتها الكتب المدرسية في بعض الأسطر.مع ذلك بالنسبة للإنسان،تعكس ستُّون سنة حياة بأكملها.قوام مأساتنا نفاذ الصبر الذي يغذِّي التشاؤم.من جانبي،أعتقد بأنَّ ستِّين عاما فضاء زمني تاريخي مقتضب جدا،بالتالي،كل ماتطلَّعنا إليه بوسعه التبلور.
باسكال بونيفاس :ماالمقاربة التي يطرحها ريجيس دوبري بخصوص هذا التباين بين تأمُّلِ الراهن وكذا الاستعراض التاريخي؟هل تعتقد،مثلما أوحيت قليلا في كتابكَ،بأنه حاليا قد فات الأوان،وكذا تحقُّق خلال فترة ما،منعطف قصد توجيه التاريخ حسب دلالة معينة؟
ريجيس دوبري :فيما يتعلَّق بالدولة الفلسطينية،تظهر الوضعية الحالية عدم إمكانية إنشاء دولة.بالتأكيد ملاحظة يمكن مناقشتها،لكن القدرة على التخلُّص من أربعمائة ألف مستوطنة تشمل القدس الشرقية وكذا الضفة الغربية،أظنُّه سعيا يحتاج إلى مقتضيات كبيرة،يصعب تصوُّرها،وربما عنيفة جدا.لقد انتقل مسار المستوطنات من منطق الوجبة الخفيفة إلى الضمِّ بكل بساطة.أتأسَّف من درجة هوس إسرائيل بأمنها على المدى القصير،من ثمَّة غياب فرص اندماجها الفعلي في المنطقة.بناء عليه،يعتبر جواب رفض مشروع الملك عبد الله،الذي طرح مبدأ''السلام مقابل الأرض"،مدمِّرا للغاية.عدَّة أصدقاء يهود عبَّروا لي عن شعور مفاده أنَّ لاأحد سنة 1950 كان في مقدوره التجرُّؤ على الحلم بتسوية من هذا القبيل.اقتراح المشروع قدَّم بديلا فيما يظهر مناسبا لأمن إسرائيل.ألاحظ مزيدا من الارتداد الإسرائيلي نحو معقل وتتقلَّص أكثر فأكثر إمكانية تحديد نفسها كدولة داخل المنطقة.يلزم التاريخ أيضا السماح باستخلاص بعض العِبَرِ.مجازفا بإظهار تشاؤم أكبر،بوسعي استحضار مثال الدول الصليبية،التي استمر وجودها فقط خلال مائة سنة :لماذا اتَّسم بكونه عابرا جدا؟يعود ذلك إلى عدم سعيها الفعلي نحو استيعاب ثقافات المنطقة أو على الأقل التأقلم معها.وضعية الشرق الأوسط غير مطمئنة : الفلسطينيون منقسمون،وتبدو السلطة الفلسطينية أكثر فأكثر مجرَّد طرفٍ تابع للغرب.
مارك هالتر :صحيح،لقد أضاعت إسرائيل فرصا.حتما يمكننا تفسير انطوائها ليس فقط بالبعد النفسي،بل أيضا استمرار الاعتراض على إسرائيل ،رغم قوة مشروع الملك عبد الله،من طرف مكوِّنات عدَّة في الشرق الأوسط.يصطدم دعاة إسرائيل إلى ''التطبيع''مع هذه وضعيتها الشاذة،أي دولة دائما تعيش اعتراضا،بالتالي تهديدا.يتغير رموز الرفض نحو وجود الدولة الإسرائيلية،صدام حسين سابقا،واليوم محمود أحمدي نجد،بينما يستمر التهديد.طبعا،يفضي التهديد بالاستئصال إلى الانطواء وكذا التحصُّن خلف وضعيات دفاعية. اجتمع داخل منزلي،للمرة الأولى،شيمون بيريز مع ياسر عرفات.كنت سعيدا،جراء الأمل الكبير الذي أحدثه هذا اللقاء.ظننت بأنَّنا قد أمسكنا أخيرا بفرصة العثور على تسوية نهائية،مع ذلك،أخفق المأمول.فعلا،هناك ضياع للفرص.لامس ريجيس دوبري نقطة أخرى، لاأتفق معها حقا.فكرة عجز إسرائيل عن الانتماء إلى المنطقة،ضمن حدود بلد مندمِجٍ. تمتلك إسرائيل شرعية تاريخية مهمَّة،تنعدم في خضمها إمكانية المقارنة مع المملكة المسيحية في القدس.لم يغادر اليهود أبدا تلك المنطقة،سوى خلال سيادة المسيحيين،وإخضاع اليهود للتفتيش في القدس واختفاء آخرين في الجليل.قبل قرنين،خلال زيارة الفيكونت دو شاتويريان إلى القدس،تحدَّث عن الشعب اليهودي باعتباره :''سيِّدا فعليا على تلك الأمكنة''.استمرت دائما مدينة القدس،منذ عهد الملك داود،مأهولة من طرف اليهود.اليهود شرقيون،وحتما صار بعض الشرقيين غربيين،مثلا ساكنة أبو ظبي،أو دبي،الذين أقاموا لديهم نسخة عن السوربون،ومتحفي اللوفر وغوغنهايم.تنمُّ هذه التحولات عن مناحي إيجابية بخصوص اندماج أفضل في عالم الغد.لكن مهما حدث،يعتبر الاسرائيليون جزءا من الشرق،مثلما يشهد على ذلك،تشابه حفلات الزفاف،الإسرائيلية والعربية.شخصيا ولدت في بولونيا،كان الناس ينظرون إلينا كمتوحِّشين،نتيجة تواصل منظومة سلوكاتنا كما لو أنَّنا نعيش في الشرق،مما ساهم خلال تلك الحقبة في كراهية اليهود من طرف البولونيين المسيحيين.نحن مشرقيون،بالتالي مفهوم الاندماج غير ملائم قصد وصف مقتضى يلزم على الإسرائيليين الرضوخ له.يلزمنا فقط تقاسم مابوسعه أن ينقدنا غدا :العلم، المعرفة، التاريخ، التقنية،وكذا عناصر أخرى تتيح إمكانية مواجهة تصحُّر هذه المنطقة
تقديم :
تزامن هذا الحوار مع أبراهام السرفاتي،بمناسبة انعقاد مؤتمر السلام في مدريد عام 1991 ،برعاية الولايات المتحدة الأمريكية،ومشاركة منظمة التحرير الفلسطينية والأردن ولبنان ومصر وسوريا. محاور اللقاء مع السرفاتي،العارف جيدا بحيثيات القضية الفلسطينية وتاريخها وأفقها ومختلف أبعادها النضالية،وأحد أشدّ أعداء المنظومة الصهيونية المتطرِّفة، تطرقت إلى الموضوعات التالية :
الدواعي الحقيقية لانعقاد مؤتمر مدريد،جدوى مشاركة منظمة التحرير الفلسطينية، مستقبل الدولة الفلسطينية الديمقراطية،حقوق الشعب الفلسطيني،النضال الفلسطيني وسلبيات البيروقراطية،ممكنات النضال الاستراتجي والتكتيكي،لبنات الثورة الفلسطينية ومنطقة الشرق الأوسط،الانتفاضة،اليسار الفلسطيني وحماس،الصهيونية ومرجعياتها الدينية، اضطهاد اليهود الشرقيين،تناقضات المنظومة الإسرائيلية،مستقبل النضال الفلسطيني وسؤال ما العمل؟
س- بعد انهيار الكتلة الشرقية،نهاية الحرب الباردة،حرب الخليج،''النظام العالمي الجديد''،تتَّجه الأنظار حاليا إلى انعقاد مؤتمر السلام في مدريد…، ماتصوركَ في هذا الإطار؟
أبراهام السرفاتي :ماالأسس التي وفقها التأم مؤتمر مدريد؟الالتزام الوحيد المتداول،إجراء مفاوضات حول الوضع النهائي للأراضي المحتلة في غضون ثلاث سنوات من الاستقلال.بينما لايوجد التزام ثان غير هذا،أساسا مايتعلق بالدولة الفلسطينية،ولاديباجة نصٍّ أمريكي يتصور مستقبل الدولة الفلسطينية.النتيجة الوحيدة،استقلال أفراد دون الأرض.لذلك،أعلن إسحاق شامير،بأنَّ هذا الاستقلال لايمنع يهود العالم كي يواصلوا التواجد في''يهودا و السامرة''.يتعلِّق فعليا هذا المشروع الأمريكي-الإسرائيلي بكامب ديفيد أخرى قد اتَّسع مجالها أكثر.يكمن الهدف في إفساح المجال أمام حافظ الأسد كي يلج منظومة كامب ديفيد،مع احتفاظه بصورة القومي العربي.بمجرد استدراج سوريا،سيتمُّ العمل على تحطيم منظمة التحرير الفلسطينية التي تظلُّ رغم كل عيوبها القوة الثورية في المنطقة،المعطى الذي أرادت باستمرار أمريكا وإسرائيل اجتثاثه،منذ مبادرة ويليام روجرز سنة 1970،ويتواصل السعي غاية اليوم إلى تصفيتها،باقتياد منظمة التحرير الفلسطينية وجهة تنازلات تؤدي إلى تصفيتها ذاتيا سياسيا.هنا يكمن في اعتقادي مشروع مؤتمر مدريد.
س-ألم يكن ضروريا بالنسبة إلى الفلسطينيين المشاركة في مدريد؟
أبراهام السرفاتي :نعم،أعتقد بأنَّه ليس ضروري،لقد وافقوا على الاستقلالية،لكنهم لن يعيشوا ذلك قط،بحيث فقدوا ذلك سلفا،رغم ادعائهم بأنهم يعتبرون الاستقلال مثل مرحلة أساسية بالنسبة للشعب الفلسطيني.استقلال يقتصر على الأشخاص بينما يستمرُّ انتماء الأرض إلى إسرائيل،هنا مكمن المؤامرة.
س-ألا تظنُّ في إمكانية استثمار الفلسطينيين لهذا المؤتمر كمنصَّةٍ؟
أبراهام السرفاتي : الآن وقد ذهبوا إلى لقاء مدريد،يجدر بهم فعليا توظيف المؤتمر كمنصَّةٍ. بهذا الخصوص،تتبدَّى بعض المؤشِّرات الايجابية على مستوى المفاوضات،فليست كلِّيا سلبية،غير أنها تقتضي استراتجية أكثر،وغيابها غير مرتبط حقيقة بالزمن الحاضر بل تعود إلى خمسة عشر سنة.يمكن الإقرار،بامتلاك منظمة التحرير الفلسطينية لاستراتجية بين سنتي 1968-1969،خلال فترة بلورة مفهوم الدولة الديمقراطية الفلسطينية،كان أبو إياد(صلاح خلف)مهندسها الرئيسي،ثم حدث التخلي عنها فعليا سنة 1975 حينما صارت المرحلة التكتيكية غاية في ذاتها.بالموازاة،تخلَّت منظمة التحرير الفلسطينية عن الصراع السياسي والإيديولوجي ضد الصهيونية.هنا يكمن خطأها،وتركيزها فقط على مكاسب دبلوماسية قصيرة الأمد.بالتالي،تسير التنازلات التي تمَّت شهر دجنبر 1991 ،خلال مؤتمر مدريد ضمن نفس منحى القبول بالحلِّ رقم 242 ،الذي أصدره مجلس الأمن سنة 1988 . اعترفت منظمة التحرير الفلسطينية بالدولة الإسرائيلية بشكل واضح وملحوظ،قصد بلوغ إمكانية المفاوضات الدبلوماسية المباشرة مع الولايات المتحدة الأمريكية.لقد استساغت حتى قبل ذهابها إلى مدريد مفهوم الاستقلال الجزئي.لو تمسَّك الفلسطينيون باستراتجيتهم التي تطلَّعت نحو إنشاء دولة فلسطينية ديمقراطية،لأمكنهم تحقيق شروط أخرى بمناسبة هذا المؤتمر،علما بأنه منذ حرب الخليج اختلَّت موازين القوى ولم تعد لصالحهم.تعني دلالة ''النظام العالمي الجديد''عدم تحرُّك أيّ شيء في المنطقة.بينما يظلُّ الإشكال الفلسطيني، البذرة الثورية التي بوسعها تحريك منطقة الشرق الأوسط.لذلك تستهدف المخطَّطات الأمريكية سحق الشعب الفلسطيني عبر تنظيمه الوطني.يلزم تغيير علاقات القوى،عمل يقتضي أجلا طويلا.أفق يحتِّم على المناضلين العرب،والذين يناضلون من أجل القضية الفلسطينية،امتلاك منطق معين.نقول بأنَّ الصهيونية إيديولوجية عنصرية،ثم أيضا مفهوم مصطنع،في نطاق نزوعها كي تخلق مختلف أجزاء دولة وشعب أسطوري،الشعب اليهودي.إما يوجد هذا الشعب،حينها انتقاد الصهيونية ليس له من دلالة،لأنَّ الشعب اليهودي على أرضه : أرض الميعاد.بالتالي،إذا مُسَّ سنتيمتر مربَّع من أرض الميعاد،تنهار ضمنيا جلّ مرتكزات الهندسة الإيديولوجية الصهيونية.لذلك، لن تقبل الأخيرة بإعادة تسليم ولو شِبْرٍ واحد من الأرض.أو لايوجد قط هذا الشعب اليهودي،وإسرائيل مجرد دولة مصطنعة يلزمها التداعي.لاأشك في صدق أهل اليسار،ولاأيضا مناضلي جماعة ''السلام الآن''.غير أنه طوباوي من يتخيَّل إمكانية تنازل الصهيونية عن جزء من أرض الميعاد.حقيقة،تستدعي النضال ضد الصهيونية قصد بلوغ السلام واستعادة الأراضي المحتلة.تحافظ قوى اليسار الغربية على أوهام ''السلام الآن''مادامت بنية هذه الحركة متناقضة.هناك من جهة،إرادة صادقة للوصول إلى السلام عبر استعادة الأراضي المحتلة،ثم في نفس الوقت،يكمن ارتباط بالإيديولوجية الصهيونية،ممَّا يكشف عن وضعية متناقضة للغاية.لايمكن للدولة الإسرائيلية الانصياع لمسألة إعادة الأراضي المحتلة.
سعيد بوخليط من المترجمين المغاربة الذين أسهموا بدرجة كبيرة في إغناء المكتبة المغربية والعربية بالعديد من الإصدارات التي تندرج ضمن فن الحوارات الأدبية. وقد نشر هذا المترجم، الذي ولد أواخر شهر يونيو 1970 بمدينة مراكش،جملة من الكتب؛ منها: نوابغ سير وحوارات؛ وقضايا وحوارات بين المنظور الأيديولوجي والمعرفي...
ومن ثمّ، فقد اخترت أن أتوجه إليه بأسئلة تهم بواعث هذا الافتتان بالحوارات الأدبية في هذا الحوار:
أوليت عناية واهتماما لافتين للحوارات الأدبية في الأعمال التي ترجمتها إلى اللغة العربية؛ فقد دأبت، على امتداد سنوات، على ترجمة حوارات مع أدباء ونقاد ومفكرين ونشرها على صفحات المجلات والجرائد وبين دفتي كتب، من قبيل: نوابغ: سير وحوارات (2012)، وقضايا وحوارات بين المنظور الإيديولوجي والمعرفي (2014)، وآفاق إنسانية لامتناهية.. حوارات ومناظرات (2018)... فكيف نبع لديك الاهتمام؟ أو بتعبير آخر: ما البواعث والحوافز التي دفعتك إلى الإقبال على الاشتغال بترجمة الحوارات التي تُجرى مع الأدباء؟
أعتقد أنَّ جنس الحوارات تبقى في اعتقادي الأقرب إلى فهم واستيعاب حيثيات عوالم الأدباء ومختلف المعطيات الخاصة المرتبطة بحيواتهم الشخصية والفكرية، حيث شكَّلت باستمرار موضوع فضول جارف يحرِّض القرَّاء دون توقف على اكتشافه. طبعا، يغدو الحوار مُلْهما أكثر في خضمِّ ذات الحافز، إذا ارتبط بأسئلة تلتمس إماطة اللثام عن خبايا هذا الجانب المثير للانتباه، ثم بعد ذلك موحيا أكثر فأكثر وبامتياز، عندما تكون الأسئلة مباشرة، قد تخلَّصت من المناحي الأكاديمية الصرفة، والمقاربات المفهومية المجردة، ثم ركزت مضامينها على المتداول والمألوف والمشترك العام. حينها،ربما يشغل الحوار مجالا سخيَّا، تتعضَّد ممكنات حظوظ قراءته ما دام المتلقي يظل شغوفا، قياسا للباقي، بالنزوع صوب اكتشاف الجوانب الشخصية للكاتب ووقوفه على أسراره. هذا الشخص استطاع الارتقاء في لحظة معينة وجهة مستوى وجودي مغاير، وضعه ضمن أفق رحب للغاية، بخصوص نزوع البحث اللانهائي عن مكمن الإنساني داخل كل واحد منا، الذي يجسِّد بالضرورة فوق إنساني. إذن، بالنسبة إليَّ يلحُّ ويحضر بقوة الهاجس نفسه، بالتطلُّع صوب القدوة والمثال والنموذج. يمثِّل استلهامي لحوارات موضوعية، قبل كل شيء، سلسلة حوارات صامتة مع ذاتي ربما غدوت أكثر من ذاتي. لعبة متداخلة حدودها، لسبر أغوار الذات بفضل الآخر.
تقديم : لماذا تعتبر مهمة العودة إلى حياة ليون تروتسكي،بعد مرور أكثر من ثمانين عاما على اغتياله؟ماذا تبقى من الأفكار التي دافع عنها طيلة حياته؟وفي أيِّ شيء يمكنها راهنا مساعدتنا قصد التفكير والتنظيم كي ندافع عن أفق الثورة،في ظل وضعية الأزمة الاقتصادية، السياسية، والاجتماعية التي نعيشها؟ نعيد هنا تقديم مضامين حوار أجري مع إيميليو ألبامونت أنجز في إطار الوثائقي المعنون ب : تروتسكي، حياة من أجل الثورة.
إيميليو المشرف على حزب العمال الاشتراكي الأرجنتيني وكذا الجناح التروتسكي، الأممية الرابعة.