مقالات نقدية الرهان على الجسد
2023 - 03 - 23

ما الجسد؟ أكثر من كونه منظومة بيولوجية، مفتوحة دائما وباستمرار على اجتهادات سؤال العلم وتراكماته اللامتناهية، سيعكس الجسد،قبل أيِّ حقيقة أخرى تبدو حاضرة ضمن هذا الإطار، أول سبيل ينتقل عبره الإنسان من بؤرة ذاته صوب العالم الخارجي، ثم أول اتصال له بالموضوعي الكامن افتراضا أو موضوعيا- يصعب الجزم- خارج إطار الذات.

 يجعلنا الإحساس بالجسد، ندرك معاني الآخرية وفق مختلف حمولتها،الموت نفسه، مثلما أخبرتنا نصوص الديانات،تقف عند حدود تعديم قابلية هذا الجسد،وتعطيل عمله وكذا التحول به صوب جهات أخرى. الموت بكل بساطة، إلغاء لحيز الجسد، وإعادة تحوير هويته من المرئي إلى اللامرئي.

نموت داخل أجسادنا، تتعالى الذات عن منظومة المحدِّدَات المادية الزمكانية، غياب الأجساد جراء واقعة الموت بمثابة عنوان لانقضاء كتلة مادية، نسافر وجهة مكان ثان؛غير المكان المألوف، يغدو الجسد فقط ذكرى مرَّت من هنا، مجرد أثر مادي اقتحم المكان إبان ذكرى، ثم اندثر وتلاشى.

تضفي الأجساد على الموت،حقيقة معلومة بإعطائها سمة اختفاء معطى الحيز المادي، بالتالي تركيز الموت على الجسد. نموت بأجسادنا في هذا العالم،كي نحقق انتقالا مختلفا عن المعطى الراهن، بينما تستمر حيَّة أبد الدهر عناوين  معالم تبلور الباطني : روح، فكر، آثار معنوية، نتاجات ذهنية، وإن أضحى "شائعا'' التميُّز الوجودي الذي حظيت به فئة استثنائية على امتداد عصور الإنسانية دون الأغلبية الساحقة، نظرا لما امتلكته من قدرات نوعية استثنائية ذهنية أو فيزيائية؛ مقارنة مع غيرها، أتاحت أمامها إمكانيات لها الترسخ كذاكرة ملؤها بورتريه جسدي، بفضل آثار معنوية خلَّدت الجسد باستمرار فوق كل محو، يستعيد وفقها سيميائيته.

مقالات نقدية ذات الإنسان : مرجعيته المثلى
2023 - 03 - 14

يأتي الإنسان وحيدا إلى هذا العالم، يرحل وحيدا، يتحمل مصيره وحيدا؛ بعد كل شيء. أيضا، وحيدا، يعيش خلال حياته، تجاربه الوجودية النوعية ،ولايمكنه بل ليس في مقدور الآخر تحمّل كاهل تلك المسؤولية الثقيلة بدلا عنه.

إذن، قوام الوحدة أصل حقيقة الإنسان، في حين تظل الآخرية، تجليا عابرا، تنسج خيوط سياقه ذات الإنسان بحكم انفتاح مشروعها صوب أفق ممكنات الموضوعي المفترضة، التي تطويها الذات ضمنيا.

ماهية وجود الإنسان محض وحدة،حيث الذات بمثابة المصدر والغاية،المنطلق والمنتهى، البداية والمآل، إنها حضن ولادته وكذا مرتع مماته. نواة إشكالية الوجود، خريطة الجدليات بين الإنسان وذاته، ذهابا وإيابا، فتأخذ مظاهر متنوعة،أساسها المطلق والجوهري : كيف يستثمر الإنسان ذاته في خضم تعددية العالم؟ ويقدم على خوض معركته المصيرية تلك، قبل أن تدوِّي صاعقة الموت.

مقالات سياسية راهن البشرية وقسوة الوضع
2023 - 03 - 02

أظن بأنَّ الراجح اليوم لسيادة الرأي العام، الذي يجزم بقسوة سياق راهن تختبر وجعه البشرية جمعاء، مع اختلاف طبعا مستويات وقع ذلك، حسب تاريخ ارتباط هذه الجماعة أو تلك بمرتكزات التمدن والتحضر.

تتوطد منظومة المعاناة يوما بعد يوم، فقط تتأرجح أبعادها تناسبيا،أضحى معها منسوب الأمل بخصوص رسم جسور القطيعة نحو الأفضل، ضئيلا جدا؛ نظرا لتداخل خيوط منظومة المشاكل وتعقدها وتنوعها ثم انفراط عقدها لامحالة صوب هاوية المجهول، وكذا تقلص الحيز التداولي لأهل مرجعيات الإنقاذ، المالكين حقا لمقومات طرح سبل النجاة، أمام إنسانية تئنُّ استنزافا، ومدِّ حشود المعذَّبين بممكنات التطلع نحو الأفضل؛ صدقا لاتضليلا.

راهنا، الإنسانية عارية، جرِّدت من أسلحة المناعة في مواجهة استفحال واقع أورام سرطانية مدمِّرة لأسباب الحياة. لذلك، يبقى السؤال الأبدي الحاضر دائما بكيفية جادَّة، إبان الأزمات النوعية : ما العمل؟

يبدو كأنَّ الجميع يلهث دون مرتكز بوصلة مرشدة، ويظهر زمننا المعاصر مفتقدا لمرجعية الأنسنة الرحيمة، فأطلق العنان مقابل ذلك إلى انبثاق مختلف النزعات السلبية التي كبحتها وتكبحها كبرياء القيم الايجابية :

- تخوض القوى الدولية المالكة حقا لزمام الأمور حروبا ملحمية عبثية؛ باطنها أكثر تدميرا من تجلياتها السطحية.

- لم تعد السياسة تدبيرا نبيلا للاختلاف وتأويلا سجاليا لجدليتي التعدد والائتلاف، مثلما حدث التدافع ضمن فضاء المجال المجتمعي، خلال حقبة تباري الأفكار الكبرى وليس الدسائس الحقيرة. 

- تحول التفاهة إلى نسق سوسيو- تربوي قائم الذات، ومأسسة الكذب والتضليل.  

- وحده المال وازع حركية العصر الجديد. والشركات الرأسمالية بمثابة المؤسسة الدولية الأولى التي تحكم فعليا خريطة استراتجيات العالم المعاصر،كواجهة فقط إلى تحقيق أرباح ثم أرباح.  

- سيادة الرقمي والتقنوي والجاهز والسريع والتنميط والنمطية والقطيع  والبروباغندا والتنويم المغناطيسي والاحتشاد والتوجيه الانتهازي الماكر،على حساب أولويات الفكر والتأمل والمفهوم والنظرية والتجربة والمشروع.

- انكماش سيادة الدولة الوطنية، أمام غطرسة جموح التكتلات المالية العابرة للجغرافيات الدولية، التي أصبحت تتحكم في قرارات للشعوب.

- هوية الكائن الإنساني المعاصر، مجرد رقم لاغير.

- التحلّل الذي يلتهم ثوابت المنظومة الأخلاقية، ذلك أن سرعة متواليات الثورة الإعلامية؛ خلال العقود الثلاثة، قوضت في نفس الآن و بذات السرعة المرتكزات الفكرية التي تراكمت طويلا بتؤدة عاقلة.

- ترهل نسيج المقاومة وتراجع الأنساق التحررية،ذات اللبنات الأنوارية المتينة بخصوص بناء الإنسان داخليا، ومدِّه بأدوات بناء وعي نقدي منهجي، لصالح وعي آخر مغاير تماما عن مبدأ الأول، ينزع هذه المرة صوب مختلف أدبيات التسليع واجتثاث الذكاء.

- تبلور مشكلات أنثروبولوجية دقيقة ، مختلفة تماما عن تلك المعهودة طيلة أزمنة ماضية، أحدثت طبعا التيه والجزع، تقتضي مقارباتها وعيا جديدا يقتضي نضجه وقتا كي يتضح ويستوعب مايجري ثم يتكيف، والتحول إلى مرحلة التقويم.

مقالات نقدية الحياة وآلام البشر
2023 - 02 - 24

يولد الإنسان في خضم الألم والبكاء والدماء، يصرخ المولود نتيجة مخاض ووجع مبهم يختزل كل القادم المفترض بغية تجلي الانبثاق في حالة طبيعية؛ إن غابت الصرخة لحظتها، بدا الأمر على العكس من ذلك، غير طبيعي تماما.

يستقبل الأهل المولود الجديد، فرحين غالبا، أو على الأقل كما تقتضي وتحتم مظاهر سلطة الطقوس والشعائر الأنثروبولوجية.

بما يحتفلون؟ تختلف التأويلات حسب المرجعيات الذاتية والموضوعية، لكنه طقس تعكس حيثياته جوهرا أبلغ من التعبير عن الضجر، مادام إبداء شعور الفرح ينطوي على أقصى مستويات التهكم والكوميديا السوداء، نفرح بماذا؟ ثم لماذا؟.

تحميل المزيد
لا مزيد من المشاركات لاظهار