مقالات نقدية ما الذي أحبُّه أكثر في الترجمة؟
2024 - 10 - 28

الترجمة تمرين حقيقي أقرب إلى المنحى الصوفي والنزوع الاشراقي،بخصوص الارتقاء بجوانب أخلاقية عدَّة على مستوى تكوين الشخصية الإنسانية،التي تحتاج من جهة إلى انفتاحها الدائم على التطوُّر بتطوير مشاريعها الذاتية كي تظلّ حيَّة متوقِّدة لاتقترب منها الموت،سوى متى أرادت ذلك.

من جهة ثانية،ولتحقيق هذا السعي الجدلي نحو السموِّ والاكتمال،نحتاج بالضرورة إلى حافز ودافع وملهم ومحرِّض،من ذلك الاشتغال على الترجمة واستلهام أبعاد هذا الفعل معرفيا وروحيا بالدرجة الأولى.

ترجمات فيليب سوليرز/ جوليا كريستيفا :الزواج بين الوفاء والخيانة
2024 - 10 - 24

ماهي الحظوظ المحتملة  لإمكانية حدوث لقاء في باريس سنة 1966 ،بين جوليا (المولودة سنة 1941،في مدينة سليفين البلغارية) مع فيليب (المولود سنة 1936في مدينة بوردو الفرنسية)حيث تعيد نصوص رواياتهما الكشف عن خصوصيات تميِّزهما غير قابلة للقياس؟أن يعشق أحدهما الثاني،قبل وبعد ماي 1968؟ثم أن يظل زواجهما منذ 1967 غاية الآن؟حظوظ قليلة،يقتضي حساب الاحتمالات سلسلة فلكية لأرقام بعد الصفر.

مع ذلك ''تبلور هذا''.جرت فعلا مراسيم الزواج في دار البلدية؛وإن أتيح له الاستمرار،بكيفية مطلقة ومتوقدة،فلأنه لم يمتثل قط لأي قاعدة أخرى غير قاعدته :تسوية دائمة،عاشقة وواعية،تغذيها حريتان متقابلتان غير قابلتين للمقارنة.

جوليا :أكثر حنكة وتكتُّما،انحدارها السلالي البيزنطي،اغترابها في المنفى هروبا من الشيوعية،ثم فرويد الذي شغل رأسها خارج دوامة الاعتقاد وكذا المعرفة الشمولية.

فيليب :أكثر دهاء وانفتاحا،جميلا،ينتسب إلى الجيرونديين وشبيها بكائن من مدينة البندقية،جذابا، فوضويا، مهرِّبا شرعيا لحياة روحية في إطار تفوق للغة الفرنسية،يبثُّه عبر مجالات  الأدب والسياسة.

ضمن هذا النطاق وليس بعيدا عنه: لن نترقب إيحاءات قوية حول حياة أو أعمال  الطرفين معا،بل استكشاف مسارين انسجما،ثم تفرعا واكتملا وهما يرسمان المكان،الفضاء المحدد والثمين المتمثِّل في زواجهما.التوافق، البناء، التقويض، إعادة البناء باستمرار منذ اللحظة التي نتبيَّن خلالها حتمية العيش المشترك.مجال حيوي مثل جهاز عضوي،أجزاء كاملة لكل طرف فيما يخص حريته حيال الثاني تحتضر،اغتيلت أو انتحرت،بينما تولد ثانية أخرى نتيجة انبثاقات أخرى طارئة، مفاجئة،خجولة ،في خضم حركة لاتشبع من البدء ثانية.

 Ù„ونوفيل أوبسرفاتور : بداية ماهو تعريفكما للحب؟

فيليب سوليرز :هناك توظيف ملتبس دائما لهذه الكلمة،وكيفما اتُّفق بخصوص البضاعة العاطفية الحديثة،بحيث قد نتلمَّس ردَّة فعل أساسها الخجل أو الاستبعاد،كما الشأن مع سيلين مثلا :"الحب،بمثابة اللانهائي الذي يوضع رهن إشارة كلب البودل''.لكن عموما،يعتبر السؤال جدِّيا ويستحق عناء الجواب عنه.تُتَداول كلمة لاأحبها،أقصد كلمة ''زوج'' بحيث لم أستسغها قط.تستحضر أدبا  أمقته تماما. طبعا،تزوجتُ Ùˆ جوليا،لكن احتفظ كل واحد منا على شخصيته،اسمه، أنشطته،حريته.الحبُّ،أقصى اعتراف بالآخر باعتباره آخر.إذا كان هذا الآخر قريبا جدا منكَ،كما الشأن بالنسبة لوضعيتنا،يتجلى حينها الرهان  على التناغم ضمن الاختلاف.تباين الرجل والمرأة غير قابل للاختزال،ولايمكن تحقيق الانصهار.بالتالي، يتعلق الأمر،بعشق ينصبُّ على التناقض وهذا يمثِّل الوضع الأجمل.أستعيد هنا عبارة لهولدرلين :''تماثل تباينات العشَّاق تعكس تنافر العالم.يحدث التوافق وسط النزاع Ùˆ يثمُّ العثور ثانية على المنفرد.تتباعد الشرايين داخل القلب،وتلتقي ثانية كي تعيش جميعها حياة شغف أبدي".

جوليا كريستيفا : يتجلَّى مع الحبِّ مكوِّنان غير قابلين للانفصال: الحاجة إلى التواطؤ والصمود ثم الضرورة المثيرة للرغبة التي قد ينتهي دافعها نحو الخيانة.تشكِّل العلاقة الغرامية خليطا حاذقا بين الوفاء والخيانة.تتعدَّد كثيرا،مع الأدب أشكال العلاقة الغرامية : ابتداء من الرؤية المهذَّبة والرومانسية غاية اكتشافات الفترة المعاصرة النيِّئة Ùˆ المكثفة.جلُّ مايحدِّد حضارتنا،في خضمِّ تأملاتنا الجنسية والعاطفية،تستند على أساس الثنائي وفاء- خيانة. 

لونوفيل أوبسرفاتور : كيف تحقِّقون التوازن بين الوفاء Ùˆ الخيانة؟

جوليا كريستيفا : ÙÙ„نحاول بداية وضع تعريف للوفاء.بوسعنا القول :استقرار، حماية،إعادة تأمين ضمن الديمومة.هل الوفاء موضوعة سخيفة،مورثة عن الماضي أو الآباء،فكرة بالية يلزم على الأزمنة المعاصرة وكذا قوة الرغبات مسحها مستقبلا؟لاأعتقد بذلك.أتحدث هنا باعتباري مختصَّة نفسانية:يحتاج الطفل إلى رمزين،صورة يافعان بدونهما لايمكنه مواجهة العالم.الأمُّ ،بالتأكيد،لكن أيضا هذا الأب الذي لانتكلم عنه كثيرا،أب أولى  تماثلات الطفولة.ليس الأب الأوديبي الكابح،بل الأب العطوف.نبحث أيضا مع تجاربنا العاطفية،على متغيِّرات هاتين الصورتين.تكمن هنا الحاجيات النفسية للوفاء.عندما نمتلك هذه التحديدات،وكذا عناصر الثبات تلك،قد نتيح أمام ذواتنا الانفتاح على العلاقة الحسية أو الجنسية الأكثر حرية،وإعطاء الرغبة مجالا مفتوحا.

فيليب سوليرز :أجد مؤلما الاختزال المنهجي لعدم الإخلاص إلى السؤال الجنسي. خلال قرن،انتقلنا من الجنسانية بوصفها شيطانا،إلى تناول إشهاري وتقني،للجنس باعتباره أساسيا.سيفترض مع الجنس دون الباقي،الإفصاح عن مجمل حقيقة الكائن البشري :استمرار شعور في الزمان،ثم النجاح الفكري. جَعَل المجتمع من الجنس شيئا كبريتيا،والآن بصدد  توخِّي جعله أساسيا Ùˆ مضجِرا.اتهموني دائما،بأني كتبتُ روايات تأخذ وجهتها ضمن معنى هذا التضخم الجنسي،لكنه تأويل خاطئ.لقد تحدثت باستمرار عن الجنسانية بكيفية رشيقة قدر الممكن،غير مقيَّد،ساخرا،حيال رغبة نعرفها وبوسعنا جيدا الإحجام عنها.هذا،بغية التأكيد على أنَّ عدم الإخلاص الجنسي يبدو لي مفتقرا إلى الوزن.يوجد ماهو أفظع.

جوليا كريستيفا:أعتقد بأنَّنا استوعبنا الجنسانية أساسا كثورة ضد المعيار،أمر استدعته ضرورة مجتمع تثقل كاهل أفراده محظورات ذات أصل ديني أو متزمِّتة.في المقابل،نتكلم اليوم كثيرا عن الانطواء الذاتي أو العودة إلى المعيار.بالتأكيد،يعكس ذلك تراجعا وصيغة للمحافظة.أيضا،امتلاك الوعي بمعطيات الثورة الجنسية.تتجلى دلالتها في: الحرية.لكنها،تضمنت اللا-معنى خلال الآن ذاته:غالبا،تدمير الذات والآخر.في إطار علاقات الرجل- المرأة،يمكن اختبار علاقات جنسية وحسية''خارجيا''تحترم الجسد وكذا حساسية شريككَ الأساسي.هنا،مكمن الوفاء.لايعني ذلك عدم الانفصال قط،أو الامتناع عن  معرفة رجل ثان، أو امرأة أخرى.

ترجمات فيليب سوليرز : خصوصية مدينة بوردو
2024 - 10 - 19

ولد فيليب سوليرز في مدينة بوردو.كتب روايته الأولى''عزلة غريبة''سنة 1958 . ساهم في تشكيل معالم حلقة تيل كيل سنة 1960،ثم راكم بعد ذلك روايات ودراسات.أسَّس مجلة اللانهائي،وانتسب إلى هيئة القراءة التي تشرف على إصدارات غاليمار.  

س-هل بوسع الشخص في مدينة بوردو أن يكون إباحيا ومتحرِّرا من كل القواعد ؟

قراءات في كتب حوار المشرق والمغرب : حسن حنفي / محمد عابد الجابري(6 /6 )
2024 - 10 - 13

(القضية الفلسطينية)                                                                           ÙŠØ³ØªØ¹ÙŠØ¯ حسن حنفي المعطيات التاريخية التي توضِّح بأنَّ اليهود عاشوا،أكثر فتراتهم ازدهارا وطمأنينة وحيوية،خلال حقبتين :

          الأولى،بجانب المسلمين في الأندلس داخل قرطبة،غرناطة،طليطلة،وعرفت الفلسفة اليهودية أوج عطائها مع موسى بن ميمون،سعيد بن يوسف الفيومي،إسحاق الإسرائيلي، القس داود بن مروان،باهيا بن يوسف بن باقودة،ابن صادق القرطبي،يهودا هاليفي،إبراهيم بن داود هاليفي،إبراهيم بن عزرا.تميزت الحقبة بتقارب كبير بين الثقافة اليهودية والإسلامية على مستوى مجالات الشعر، اللغة، العقيدة، الفلسفة، الطب، التفسير، التصوف،الفلك.استمر هذا الوضع،غاية سقوط الحكم الإسلامي،الذي كانت من تداعياته الأساسية مكابدة اليهود والمسلمين للاضطهاد تحت سلطة محاكم التفتيش.

     Ø§Ù„ثانية،تحيل على عصر التنوير في فرنسا،وقد تعايش اليهود Ùˆ الأوروبين معا دون حساسية عنصرية أو تقوقع هوياتي،وحظي التراث اليهودي برمزيته الروحية يحمي كيانهم الثقافي والفكري من دواعي الإقصاء والانعزال. يقول حسن حنفي :"اليهود ثقافة عقلانية أخلاقية شاملة لافرق بينها وبين أي دين أو ثقافة أخرى تشارك في مبادئ التنوير العامة. واليهود مواطنون مثل غيرهم،متساوون في الحقيقة والواجبات.اليهودية إيمان بالله،وبالعناية الإلهية،وبخلود الروح.وهي بذلك تشارك الديانات الأخرى في العقائد دون تخصيص أو تمييز اجتماعي لطائفة على غيرها"(ص 119).

 Ø¹Ù†Ø¯Ù…ا نجحت الثورة الفرنسية،أعلنت سنة 1789 مبادئ وحقوق الإنسان في فرنسا من خلال شعار :''يولد الناس ويظلون أحرارا متساوين في الحقوق''.نتيجة ذلك،تمتَّع اليهود بالجنسية الفرنسية وكذا مختلف الحقوق المدنية،بعد قرار اتخذه المجلس الوطني الفرنسي، امتد تأثيره صوب بلدان أوروبية أخرى كألمانيا،هولندا،إيطاليا،سويسرا، النمسا، المجر، روسيا، الولايات المتحدة الأمريكية.أيضا،بادر نابليون سنة 1806،إلى إلغاء مختلف الأحكام الخاصة بالطائفة اليهودية وتنظيم حياتهم الاقتصادية والنظر إليهم باعتبارهم مواطنين فرنسيين يملكون نفس الحقوق.لكن بعد تراجع المدِّ التنويري،وظهور القوميات خلال القرن التاسع عشر،رفض اليهود الانتماء إلى أيِّ قومية أخرى غير قوميتهم الخاصة وبالتالي الانعزال بعيدا داخل الغيتو،فبدأت تتشكَّل أولى ملامح الصهيونية :''بعد مآسي النازية ووقوع الأخوة اليهود تحت أبشع اضطهاد عرفه التاريخ،وكرد فعل على حياة الجيتو وانعزال الطوائف اليهودية عن الأوطان التي يعيشون بها،هل تحقق قومية يهودية في دولة يهودية يحل المأساة؟وهل يمكن حل مأساة الشعب اليهودي بخلق مأساة أخرى،مأساة الشعب الفلسطيني؟إن السؤال مطروح الآن،كما كان مطروحا دائما.ولكن الإجابة أيضا موجودة في التاريخ ليس كحلم طوباوي يستحيل التحقيق بل كنظم سياسية واجتماعية عاشها اليهود مرتين، في إسبانيا مع المسلمين وفي الثورة الفرنسية مع قوانين نابليون"(ص 121).

تحميل المزيد
لا مزيد من المشاركات لاظهار