يوم 18 نونبر 1952،أكَّد ألبرت أينشتاين بكيفية لَبِقة رفضه الرَّسمي لترشيح من طرف مناحيم بن غورين كي يترأَّس دولة إسرائيل،بعد وفاة حاييم وايزمان،من خلال رسالة جوابية بعثها الفيزيائي العبقريّ إلى سفير إسرائيل في الولايات المتحدة الأمريكية،يقول مضمونها :
''عزيزي السيِّد السفير،
شعرتُ بتأثُّر نحو العرض الذي رَشَّحَني باسم دولتنا إسرائيل،لكن خلال ذات الوقت،فأنا حزين ومضطرب جرَّاء استحالة إبداء موافقتي على عرض من هذا القبيل،مادمتُ قد كَرَّستُ جلَّ مسار حياتي لعالم الأشياء،مما أفقدني سواء القدرة الطبيعية،أو التَّجربة الضَّرورية حتى أكون قادرا على تدبير أمور عالم البشر وتحمُّل مسؤولية مهام رسمية.
حقا تَقَدَّمَتْ سنوات عمري،معطى في كل الأحوال لم يكبح جماح قدراتي،رغم ذلك لن أقدر على الارتقاء صوب مستوى أداء واجبات ومقتضيات هذا المنصب.
أراها مسؤولية جسيمة للغاية،لاسيما أنَّ علاقاتي مع الشعب اليهودي صارت أكثر ما أرتبط به منذ إدراكي لهشاشة وضعيتنا ضمن باقي الأوطان.
إذن فلنبكي على رجل- المقصود حايم وايزمان- حمل على أكتافه عبء مصيرنا وكذا وطأة نضالنا من أجل الاستقلال،في خضمِّ وقائع مأساوية.
أتطلَّع من كل فؤادي صوب تحقُّقِ ترشُّح شخص يمكنه تولِّي هذه الوظيفة الصعبة والثقيلة،بناء على تراكم أنشطته ماضيا وطبيعة شخصيته.
ألبرت أينشتاين''(1).
إلى ناشر نيويورك تايمز
نيويورك،2 دجنبر 1948
من بين الظَّواهر السياسية الأكثر رعبا خلال الفترة الراهنة،ظهور''حزب الحرية''(حيروت) داخل دولة إسرائيل النَّاشئة حديثا.
حزب سياسي مرتبط تنظيميا على نحو وثيق الصِّلة بالأحزاب النَّازية والفاشية،فيما تعلَّق بمناهجه،فلسفته السياسية وكذا دعوته الاجتماعية.
حزب أسَّسه أفراد وأتباع منظمة الإرغون الإرهابية،ذات التوجُّه اليميني المتطرِّف والقومي داخل فلسطين.
الزيارة الحالية ل مناحيم بيغن،زعيم هذا الحزب،إلى الولايات المتحدة الأمريكية، حكمتها بالتَّأكيد حسابات قصد تقديم انطباع مفاده دعم أمريكي لهذا الحزب خلال الانتخابات الإسرائيلية المقبلة،وتعضيد العلاقات السياسية مع العناصر الصهيونية المحافظة في الولايات المتحدة الأمريكية.
أعلنت عدَّة أسماء أمريكية عرفت بنزعتها القومية،عن إدراج أسمائها ضمن لائحة المحتفلين بهذه الزيارة.بالتالي،لايعقل أن يقبل معارضو الفاشية على امتداد العالم،ويعلمون جيّدا ماضي وكذا أفق مناحيم بيغان،إضافة أسمائهم بهدف دعم الحركة التي يمثِّلها.
ينبغي على الجمهور الأمريكي الاطِّلاع على ماضي وأهداف مناحيم بيغن وحركته، قبل حدوث أضرار غير قابلة للتَّرميم حين إسراعهم إلى تقديم مساهمات مادية،واحتشاد تظاهرات عمومية تدعم مناحيم بيغان،ثم بثِّ انطباع داخل فلسطين مفاده أنَّ جزءا كبيرا ضمن ساكنة أمريكا يساند عناصر فاشية في إسرائيل.
عاش إبراهيم مع جدَّته من أمِّه علاقة خاصة،ميَّزتها مفارقات سلوكية عجيبة أضفت عليها نكهة استثنائية شَكَّلت باستمرار جلسات حكي لأهل الحيِّ،فهذه الجدّة رغم بلوغها عمرا متقدِّما استمرَّ دأبها السَّردي لما علق في ذهنها من حكايات هتلر، الفرنسيس، دوغول، سَنِغَال،الهند الصينية،اليهود،جمال عبد الناصر،المجاعة،عام لْبونْ،الجفاف،حروب القبائل، بذخ قوَّاد الإقطاع،حِيَل النِّساء وأسرار العشَّاق، الخيانات الزَّوجية،جغرافية مراكش القديمة، طقوس الحِرَفيين التقليديين، يوميات المرَّاكشيين أيام سلطة الباشا الكلاوي…
الجدَّة المدعوَّة بالحاجَّة فَاضْمَة ذاكرة خصبة وحيَّة بامتياز،لاتكفّ يوميا على تهذيبها وإنعاشها بأحاديثها المطَّرِدة مع جيران الحيِّ من مختلف الأجيال؛أينما انتقلت وحلت،يكفي مصادفة عبورها وإلقاء التحيَّة عليها كي تسهب حديثا.
اعتُبرت أسرة إبراهيم ضمن أهل الحيِّ الأوائل الذين اقتنوا تلفازا أواسط عقد السبعينات،بحيث لم يكن الجهاز السَّاحر حين بداية تسويقه محليّا متاحا سوى أمام إمكانيات أقليّة قليلة،بالتالي شَكَّل اقتناؤه عنوانا للتميُّز الطبقي؛كما جرى الوضع فيما بعد مع نفس التِّلفاز بالألوان وكذا الهاتف المنزلي،ثم بدأ تدريجيا يغزو جُلّ البيوت ويوضع غالبا بحجمه المعَلَّبِ الصَّغير جانب مذياع خشبي كبير.
صحيح،أنَّ الضَّيف الغريب شغل وقتها الألباب وساد الأذهان و خَلَبَ النُّفوس،مع ذلك لم يكن زائرا مغترّا بهالته الحديثة بل أبقى مجالا واسعا للمذياع الأيقونة الموروثة،طيلة المدَّة السابقة عن انطلاق الفترة الزمنية المسموح بها للتِّلفاز؛أي من الساعة السادسة مساء حتى الحادية عشر ليلا،فالتوقُّف والإغلاق والانزواء إلى الصَّمت غاية حلول نفس الموعد خلال اليوم الموالي.
يترصَّد الجيران بفارغ الصبر التَّوقيت قصد الالتحاق فورا بمنزل أسرة إبراهيم، كي يتمتَّعوا باستيهامات الصندوق العجيب؛الأشبه بمصباح علاء الدين.
تقديم :كتب سيغموند فرويد هذه الرِّسالة يوم 26 فبراير 1930،إلى شايم كوفلير جوابا على طلب سابق توصَّل به فرويد من جمعية''أورشليم كيرين أجوسو''(نداء وحدة إسرائيل)،نداء أُرسِلَ في نفس الوقت وجهة عدَّة شخصيات يهودية بارزة،قصد التوقيع على عريضة تدين العرب على ضوء اضطرابات حدثت في فلسطين سنة 1929 أدَّت إلى قتل مائة مستوطن.
تحوَّلت هذه الرسالة إلى أبراهام شوادرون،مكلَّف بتجميع توقيعات لأورشليم،مقابل وعد''إخفائها عن كلِّ العيون وعدم الوصول إليها تماما''.بقي مضمونها متواريا جملة وتفصيلا عن الأنظار طيلة سبعين سنة إلى أن اكتشفها العموم خلال معرض في جامعة القدس.
نصّ الرسالة :
من البروفيسور فرويد
فيينا،19 شارع بيرغاس،26 – 02-1930
إلى السيد الدكتور شايم كوفلير،
لستُ قادرا على الاستجابة لما تطلبونه.إثارة انتباه الجمهور حول شخصي نتيجة تردُّدي هذا،مسألة مستعصية على التجاوز ولاتبدو لي أبدا الظروف الحرجة الحالية محفِّزة.
يلزم الشَّخص المتطلِّع نحو التَّأثير في عدد كبير امتلاك شيء مبهرٍ وحماسيٍّ بخصوص مايودُّ قوله،غير أنَّ طبيعة موقفي من الصهيونية،لايتيح لي هذه الإمكانية.
طبعا أضمر أفضل أحاسيس التَّعاطف حيال جهود تُبْذلُ بكيفية حرَّة،لذلك أنا فخور بجامعتنا في أورشليم ويسعدني ازدهار منشآت مستوطناتنا.لكن، من جهة أخرى،لاأعتقد أبدا في إمكانية أن تصير فلسطين دولة لليهود،أو قد يبدي العالم المسيحي،كما العالم الإسلامي،استعدادا خلال يوم من الأيام قصد التعهُّد بأمكنتهما المقدَّسة إلى الرِّعاية اليهودية.
سيكون هذا السَّعي أكثر حكمة حسب قناعتي،لو انصبَّت فكرة إنشاء وطن يهودي على أرض غير مشحونة تاريخيا؛بالتَّأكيد،أعلم عدم إمكانية تحفيز الجماهير أو استمالة تعاون الأثرياء،حينما يتَّصف مخطَّط تصميم معيَّن بالعقلانية.
أعترف أيضا،بتحسُّر،انطواء تعصُّب مواطنينا غير الواقعي بما يكفي على جانب من مسؤولية إيقاظ مكمن الارتياب لدى العرب.
لايمكنني الإحساس بأدنى تعاطف مع ورعٍ يُساء تأويله وقد اختلق من قطعة حائط المبكى(الحائط الغربي) إشارة قومية،يتمُّ بسببها تحدِّي مشاعر ساكنة البلد.
إذن،احكمْ بنفسكَ،هل في مقدوري من خلال وجهة نظر على قدر من الحرج،كي ألعب دور الشخص المهدِّئِ بالنسبة لشعب يترنَّح نتيجة وَهْمِ طموح غير مبرَّرٍ''.