قراءات في كتب حوار المشرق والمغرب : حسن حنفي / محمد عابد الجابري(6 /2)
2024 - 09 - 09

جاءت ثورة كمال أتاتورك في تركيا،فأسقط الخلافة وتبنَّى النموذج الأوروبي،حينها وقع تراجع آخر فيما يتعلق بأفق التغيير،لذلك تبلورت الحركة السلفية من خلال دعوة رشيد رضا،إلى الاهتمام أولا وأخيرا،بالأصول وضرورة التمسُّك بها. 

ثم ظهرت حركة الإخوان المسلمين،ضمن سياق تبلور الحركات الوطنية، وحركات الاستقلال،والأحزاب الجماهيرية،لمواجهة الاستعمار والفساد،هكذا جسَّدت عمليا حلم جمال الدين الأفغاني بتأسيس حزب ثوري،مستند على الجماهير وتحقيق الإصلاح.

نجحت حركة الضباط الأحرار في مصر سنة1952 .حدث الصدام بين الجناحين نتيجة محاولة اغتيال جمال عبد الناصر يوم 26  أكتوبر 1954،من طرف محمود عبد اللطيف؛عضو جماعة الإخوان المسلمين،فانصبَّت آلة القمع برمتها على المنتمين إلى التنظيم وملئت بهم السجون المصرية،كي يختبروا فعليا تحت قبضة الأجهزة مختلف أنواع التعذيب والتنكيل.لذلك،حينما غادروا دهاليز السجون،تمسَّكوا جملة وتفصيلا برفض شامل لمختلف الإيديولوجيات الأخرى،عبر دعوتهم قصد العمل من أجل تقويض مانعتوه بمجتمع الكفر وتدشين بداية حقيقية للإسلام.

في غضون تلك المطاردة العنيفة،راكمت الحركات الإسلامية رمزية شعبية،لاسيما جراء إخفاق سياسات التحديث من طرف القوى العلمانية،بواسطة تدابير مختلف مكوِّناتها الليبرالية القومية ثم الماركسية.

انقسمت الأصولية الإسلامية إلى تيار محافظ تقليدي،والآخر تحرُّري. يؤيِّد الأول النُّظم المحافظة،متمسِّكا طوباويا بضرورة تطبيق الشريعة وقانون العقوبات،بغير فهم للسياق وكنه الشريعة أو أسباب النزول ومقاصد الشريعة وروح العصر،بالدفاع المطلق عن حقوق الله،لذلك يضيف حسن حنفي:''غلب عليها الاستنباط أكثر من الاستقراء،والأصول أكثر من الفروع،والمبادئ أكثر من الوقائع،والشعارات أكثر من مضامينها،والنظريات أكثر من العمليات،والعقائد أكثر من التشريعات.توحِّد بين الشريعة وقانون العقوبات،وتريد أن يقوم الناس بواجباتهم قبل أن يأخذوا حقوقهم.تريد تطبيق الإسلام بجدل الكلي أو لاشيء،وهدم النظم الجاهلية كلها ليبدأ تأسيس المجتمعات الإسلامية من جديد.فلا رتق ولاإصلاح ولاترميم ولاتعديل ولاتغيير لما هو قائم وكأنَّ الإسلام لم يدع الناس إلى الإصلاح وعدم الإفساد في الأرض،ولم يهذّب مناسك الحج في الجاهلية دون إلغائها.ويتم ذلك عن طريق النخبة،جيل قرآني فريد،طليعة مؤمنة تقود الأغلبية،وتدعو الناس.ولاضير أن يبدأ ذلك بتنظيم سري،وحركة تحت الأرض حتى يظهر الإمام فيتم ملء الأرض عدلا كما ملئت جورا،ولاضير من استعمال العنف،فالعنف في الله واجب''(ص 27).

قراءات في كتب حوار المشرق والمغرب : حسن حنفي / محمد عابد الجابري(6 /1)
2024 - 09 - 06

ٍ

سنة 1989 شهدت الساحة الثقافية العربية،حدثا معرفيا مهمّا،باغت أوساط الأنتلجنسيا،لأنه لم يكن حقيقة متوقَّعا في خضمِّ أدبيات متوارثة ترسَّخت مع مرور الأجيال،قوامها في أغلب الأحيان انتفاء أبسط تجليات الاهتمام، الحوار، الإصغاء، الاكتراث، لما يقال،سواء لدى الأنظمة السياسية وكذا النُّخب الثقافية.

غير أنَّ مجلة اليوم السابع،التي أصدرتها منظمة التحرير الفلسطينية في باريس،منذ سنة 1984، بادرت إلى تدشين خطوة حوارية مميَّزة بين مفكِّرين كبيرين ينتميان بجدارة إلى طليعة النخبة الأولى،اشتغلا حتى آخر لحظات حياتهما على مشروعين علميين؛حسب المفهوم الأصيل للكلمة في أبعاده المتكاملة،ضمن نفس مضمار سؤال الخطاب النهضوي : لماذا تأخَّر المسلمون وتقدَّم الغربيون؟ المتبلوِرة ملامحه الأولى خلال القرن التاسع عشر، جوابا على الإشكال التاريخي زمنيا والمصيري وجوديا،القابع غاية الآن بدون تراكم فعلي وراسخ لأوراش عملية قصد حدوث تبلور ملموس سياسيا واقتصاديا ومجتمعيا،للمسار الحضاري الذي بوسعه إخراج منظومات المنطقة وشعوبها المعزولة تماما وسط بيداء التخلُّف والتحلُّل،والاهتداء بها صوب واحات الحياة قصد الانبعاث ثانية.

جاءت موضوعات السجال وتعليلاته حسب العناوين التالية :في معنى الحوار ومقاصده، الأصولية والعصر، العلمانية والإسلام، الوحدة العربية إقليمية أم اندماجية، الليبرالية، الحداثة والتقليد، الناصرية، العرب والثورة الفرنسية، القضية الفلسطينية.

هيكلت مجلة اليوم السابع الحوار،حسب مرحلتين: انتظمت حلقات المرحلة الأولى، على عروض الأستاذين حسن حنفي وعابد الجابري،بينما جاءت المرحلة الثانية طيلة أربعة عشر أسبوعا،كي تفسح المجلة صفحاتها للتعقيب والتعليق ومناقشة الأفكار التي بادر إلى طرحها رائدي''حوار الثمانينات''،مثلما سمي آنذاك،بمشاركة الأسماء التالية :

ترجمات مكسيم رودنسون : هل إسرائيل، واقعة استعمارية؟
2024 - 09 - 06

س-أصدرت مجلة الأزمنة الحديثة سنة 1967،عشية حرب الستَّة أيام،عددا خاصّا اهتمت موضوعاته بحيثيات الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني.ساهم في تدبيج المقالات عرب و إسرائيليون وبعض كتَّاب استئصال اليهود إلخ،وقد افتتح العدد ماكسيم رودنسون بمقالة عنوانها :''هل إسرائيل واقعة استعمارية؟".بناء على دلائل تاريخية،سيقدم جوابا إيجابيا على السؤال.مرَّت الآن ثلاثون سنة على تاريخ كتابة تلك المقالة،ثم ثلاثة حروب وكذا الانتفاضة بينما تحتفي الدولة العبرية بذكراها الخمسين.فهل لازالت تحتفظ بنفس التصوُّر منذ تلك الفترة غاية صيف 1998؟من جهة أخرى،اهتمَّ من صنِّفُوا كمؤرِّخين إسرائيليين جدد(توم سيغيف،بيني موريس)بمراجعة تاريخ إسرائيل منذ سنوات فانتهوا إلى خلاصات تسير تقريبا ضمن نفس المعنى.مارأيكَ بهذا الخصوص؟

مكسيم رودنسون :لم تفتقد بعد مقالتي مضمون راهنها،لاسيما إذا تمسَّكنا بنفس منطلقات التحليل. فيما يتعلق بي،استمرَّ وفائي لما قلته سابقا وأعتقد بأنَّ مايحدث منذ تلك الفترة يعضِّد للأسف ماقلته سنة. 1967كثير من المعطيات الجوهرية-تناولها الآن المؤرِّخون الجدد وطوروها بتفصيل أكثر- متاحة سلفا أمام من يتمتَّع قليلا برغبة البحث وكذا تسليط الضوء عليها.بوسعي ثانية استعادة بعض العبارات الواردة كاملة.تغيُّر الوضعية،ترجمته فقط ارتدادات،لاسيما مع بنيامين نتنياهو.نعيش الآن وضعية قريبة من التي اختبرناها سنة 1967،وأتطلَّع نحو سبل الخروج منها.نلاحظ بالتأكيد،وعيا بهذه الإشكاليات لاسيما مع هؤلاء''المؤرِّخين الجدد". لكنها فقط بداية مسار لاأظنُّه سيأخذ وتيرة سريعة.يوجد داخل إسرائيل أشخاص يفهمون الأشياء مثلما أفهمها،لكنهم أقلِّية جدا.نعاين ضمن الوسط الفكري انفتاحات معينة على قلَّتها كذلك،بالتالي لاأعتقد في إمكانية تأثيرها على  الرأي العمومي للجماهير .

س- يقول ريغين دهوكوا كوهين :''يعتقد الكثيرون بأنَّ إسرائيل ليست دولة مثل باقي الدول.هل توافقون على هذه الصيغة ؟كيف يمكننا بحسبكَ تحديد دولة باعتبارها على شاكلة باقي الدول ؟".

مكسيم رودنسون : من الواضح أنها ليست بدولة مثل الدول الأخرى،لأنها تستند على قاعدة''الأسطورة المؤسِّسة''،مثلما قال روجي غارودي (المفهوم مستعار من كتاب إليزا مارينستراس حول الأساطير التي شكَّلت الولايات المتحدة الأمريكية).يعتبر  الإسرائيليون أنفسهم كورثة شرعيين للوطن الإسرائيلي القديم الذي يعود إلى عهد موسى،على الأقل أربعة عشر أو خمسة عشر قرنا قبل المسيح،يضاف إلى ذلك أو تجاوره، تلك الرواية الدينية، بمعنى :''نحن على هذه الأرض لأنها إرادة الله''. تلقيتُ ذات يوم  رسالة من طبيب يهودي فرنسي مشهور جدا،صاحب"اختبار باروخ"،قال لي : "اليهود هم أصحاب الأرض الشرعيين منذ دائما،والعرب يشغلون وضعية مستأجِرين دون عناوين''('' ضمنيا :يحق طردهم'').غريبة هذه النظرة إلى العالم. نظرة قديمة،دينية ضمن أخرى،يمكننا العثور عليها ثانية مثلا في التلمود. تُتخيَّل بداية العالم حسب الطريقة التالية :وزَّع الله الأرض بكيفية أبدية،مانحا تشيكوسلوفكيا إلى التشيكيين والسلوفاكيين،وفرنسا إلى الفرنسيين،ثم إسرائيل للإسرائيليين.هذه المقاربة محض أسطورية و لاهوتية

ترجمات غاستون باشلار :طائر العنقاء (الحلقة 4 )
2024 - 08 - 28

لنتذكَّر بأنَّ نيتشه وضع الموسيقى تحت إشارة طائر العنقاء،''طائر العنقاء الموسيقي''بحيث تضاعفت صورة الانتعاش :''سأروي حاليا حيثيات قصة زرادشت.فكرة العمل الأساسية،حول العود الأبدي- أسمى صيغة إقرار لم يتم بلوغها قبل ذلك – تعود إلى تاريخ شهر غشت 1881 . انكبَّ نيتشه على ورقة وكتب الفقرة التالية:

'' على ارتفاع ستة آلاف قدم يلتقي الإنسان الزمان".عبَرْتُ خلال هذا اليوم الغابات المجاورة لبحيرة سيلفابلانا؛ غير بعيد عن قرية سورلي وقفت عند قدم صخرة هائلة يشبه شكلها هرما. لحظتها استلهمتُ الفكرة.حينما أعود إلى شهور معينة قبل هذا اليوم،فقد تمثَّلتُ  خاصة مع الموسيقى،ملامح أولى عن الواقعة،عرفت أذواقي،تحوُّلا مباغتا،عميقا، حاسما.ربما لاينكشف زرادشت لديَّ سوى بالموسيقى؛حتما يفترض ''تجديدا''للسمع.قضيتُ ربيع سنة 1881،في كنف بلدة صغيرة تحيطها مياه جبلية،ليس بعيدا عن  فانسونس،ومدينة ريكاورو،هناك اكتشفتُ مع بيتر غاست صديقي الذي أعتبره مايسترو،''مجدِّدا'' بدوره،على شاكلة طائر العنقاء الموسيقي الذي يحلِّق أمام أنظارنا في خضم ومضة ريش أكثر خِفَّة ولمعانا من ذي قبل''(13).

السيرة الذاتية
تحميل المزيد
لا مزيد من المشاركات لاظهار