مقالات سياسية ذاكرة فلسطينية ومنتظم دولي بلا ذاكرة ولا حكمة
2023 - 11 - 27

يظهر ربما بكيفية لا لبس معها،في حدود تقديري،بأنَّ الفكر الصهيوني رغم كل سُبُل تفطُّنه على مستوى الإحاطة بمختلف مداخل التحكُّم في حيوات- بالجمع- الذات الفلسطينية الأشبه روحيا بالولادات اللامتناهية لطائر الفنقس،قد غاب عن رؤيته تلك،مسألة في غاية البساطة،مفادها أنَّ العنف يعيد بالضرورة إنتاج العنف،تنبثق غريزة الانتقام،تغدو شرسة بلا قيد ولا وجهة،كلما تضاعف العنف واستفحل،تتراصُّ ذاكرته أكثر فأكثر،يغدو مستحيلا طمس أثره وكذا استساغة نتائجه بكيفية عادية ومتوازنة.

المقاومة الفلسطينية،التي يقاتل أفرادها في جبهة غزة بهذه الطريقة الخرافية حقا، قوامها جماعة شباب ولدوا وترعرعوا وفتحوا عيونهم على ممكنات الوجود،داخل مخيمات وملاجئ وأحياء معزولة عن الحضارة البشرية؛إلا من روافد البؤس والحرمان تحت رحمة ظروف غير رحيمة البتَّة،حيث الحصار،القمع،التصفية العرقية،القهر،الظلم،النفي الإجباري، التهجير القسري.

اختبر هؤلاء الفتية،منذ لحظات وعيهم الأولى بما يجري حولهم،ضَنَكَ يوميات قاسية للغاية مفعمة بالعذابات والأوجاع وشتَّى أنواع القهر البربري،تراكم براءة طفولتهم صمتا،وتختزن كيمياء تفاعلات ظلم مهول،بالتالي استعصى مع تضخم وعاء ذاكرة التراجيديا السوداء،إمكانية تخليص أذهانهم من فكرة انتفاء احتمال امتلاك هذا الجار الاسرائلي، مقومات الحسِّ الإنساني.

تتكرَّر نفس الحكايات المفجعة،حسب فترات متقاربة أو متباعدة،ونعاين اليوم اجترارا لذات المشاهد المرعبة بفظاعة لاتضاهى،ودموية مجانية تظهر بوضوح عدم جدِّية المؤسَّسات الدولية،مما يسرع بالمنتظم الأممي عامة،دون كوابح صوب هاوية العهود البدائية،وتوثِّق جُسَيْمات الرُّضَّع وجثت الأطفال وتناثر أشلاء كل أهل المكان،متواليات انهيار جانب كبير من جسور معنى المعنى.

مقالات نقدية تعقُّب آثار غاستون باشلار
2023 - 11 - 24

منذ سنوات،أصدرتُ خلال فترات متباعدة أو متقاربة،مجموعة دراسات،تأليفا و ترجمة، خصَّصْتُها لمنجز غاستون باشلار(1) باعث رؤى النقد الأدبي الجديد وكذا الشعرية الحديثة،لكن قبل ذلك،ملهم مرتكزات إبستمولوجيا جديدة تستشرف بنيات،منظومات، مناهج، وأسس العقل العلمي المعاصر،حسب جدلية ذهنية خلاَّقة؛ تشتغل في الآن ذاته على علاقته بذاته ومختلف التطورات المعرفية والمنهجية التي تشهدها حقول أخرى.

رغم ذلك،لازال الطريق طويلا،الأوراش ملحَّة كثيرا،قدر تركيبها البنيوي،تداخلها النظري،تحاورها المفهومي اللانهائي،مما يستدعي باستمرار،اجتهادا ومثابرة،وتركيزا متصوِّفا للغاية،قصد سبر أغوار آليات التمرُّس على الإحاطة ببعض ذخائر باشلار صاحب مشروعيْ إبستمولوجيا النفي البنَّاءة و ظاهراتية الصورة الشعرية الملهمة.

بعد انقضاء عقدين من الزمان تقريبا،على تاريخ بداية اكتشافي لعتبات شعرية باشلار،اللَّبنة المفصلية لتراث الإنسانية،ليس فقط خلال القرن العشرين،بل أساسا ارتباطا بسياقات تاريخ الفكر البشري.أقول،بأنِّي أشعر صدقا خلال لحظات عدَّة بالعجز ضمن طيات الحميمة التي صارت بحكم الزمان تربطني بعناوين الجمالية الباشلارية.

لقد أرسى غاستون باشلار معالم أفق فكري هائل،مغاير جذريا للمتبلوِرِ سلفا منذ العقلانية الديكارتية إبَّان القرن السابع عشر،غاية التحوُّلات العلمية بداية القرن العشرين، في مجالات النشاط الإشعاعي،ميكانيكا الكمِّ وكذا التموُّجية،الهندسة اللاأقليدية، الفيزياء النسبية، الكهرومغناطيسية، والتلغراف.

ترجمات غاستون باشلار : رامبو الطفل
2023 - 11 - 20

ٍ

''أيَّتها الحروف الصوتية،لقد صنعتم حكايات''

تريستان تزارا

(عكس الانقياد)

  منذ سنوات،تجلت أولى ملامح كتاب رامبو الطفل (1)،عبر صيغة أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في السوربون. اشتغل عليها كاتب انجليزي شابّ،أبدى شغفا نحو قصيدة رامبو. صار بعدها أستاذا يدرِّس حاليا الفرنسية في جامعة غلاسكو.

احتفظ الإصدار الجديد للكاتب سيسيل أرثر هاكيت،بنفس المعطيات الكبيرة للنسخة الأولى من هذه الدراسة.بل راهن أكثر على الاستفاضة في تبسيط تفسيراته بتركيز مختلف ملاحظته حول الخاصية السائدة في عمل الشاعر : طفولة تصبو إلى ثقافة شخصية،ثم معجزة مدرسة تطلَّعت وجهة القطع مع باقي المدارس.

لذلك،وأبعد من الصراعات العائلية فيما يتعلق بحياة رامبو التي لم يجد التحليل النفسي صعوبة بخصوص إبرازها،تكمن صراعات ثانية شَغَلت موضعا آخر وجبت دراستها عبر فصول العمل ذاته،ضمن هذه الثقافة الشعرية الغريبة التي ارتقت بمراهق كي يغدو نموذجا شعريا.

تحديدا،اهتم سيسيل أرثر هاكيت،بتنظيم مسألة الذهاب من العمل إلى الحياة.حاول تقييم مختلف الصور ضمن حساسية ازدواجيتها،فوضعها بين قطبي الحدس وكذا الوضوح.بالتالي، نكتشف بين صفحات كتاب رامبو الطفل مساهمة جيِّدة بخصوص التحليل النفسي للنشاط الأدبي.

إذا أراد التحليل النفسي مساعدة نقد النصوص،يلزمه على الأقل أن يقارب إشكالية التعبير الشعري،كأنها قضية خاصة.لايكفي الذهاب غاية المنابع السير- ذاتية للثنائيات.ينبغي تبيان كيف تغدو هذه الثنائيات،ضمن التعبير،التباسات غريبة.هكذا،تصبح قراءة أشعار رامبو تحليلا إيقاعيا حقيقيا.قصيدة مدهشة،تستبعد في الآن ذاته دلالة واضحة وحدسا ساذجا. انتفاء كل فنّ تعليمي،أو فعل صبياني: بل طفولة طبيعية،طفولة تجسِّد أصل الكلمة. 

لكن لنقدِّم بعض الدلائل عن استقلالية الكلمة في قصيدة رامبو.

مقالات سياسية الحركة الصهيونية وأفق العالم الجهنَّمي
2023 - 11 - 17

من بين أشهر الإيديولوجيات العدمية،التي أفرزها التطور التاريخي الحديث، وتعكس بنيويا مجموعة أزمات قيمية وروحية،اختبرتها سياقات سابقة عن عصارة النموذج في تحققه الراهن،نصادف المنظومة الشوفينية المسماة بالحركة الصهيونية،التي تبنَّت مبدئيا قضية تجميع شتات كل اليهود في العالم قاطبة،ضمن حدود وطن واحد يعكس هويتهم القومية.يعود جذر كلمة الصهيونية،إلى جبل صهيون في القدس مثلما وردت الإشارة في الكتاب المقدس سفر إشعياء.

اشرأبَّت الأعناق بخصوص هذا الوطن المفترض بداية جغرافيا،نحو وجهتي الأرجنتين وأوغندا، قبل وقوع الاختيار نهائيا على فلسطين.

إذن،نتيجة تبلور الأفكار القومية في أوروبا،نزع اليهود بدورهم نحو احتضان واعتناق دعوات هذا التقليد فاستلهموا،محرِّضات الدوافع القومية على أساس ديني، إيديولوجي، ثقافي، انتظمت بواعثها ضمن بوتقة إطار الحركة الصهيونية،ثم اكتست فيما بعد واجهة سياسية تنطوي ضمنيا على خلفية قوامها أسوأ الاعتقادات التيولوجية.

 تنامت حدَّة هذه الدعوى بسبب عجز اليهود عن الاندماج ضمن مكونات المجتمعات الأخرى،بسبب تهميشهم من لدن باقي الهويات،بالتالي تطلعهم كي يتخلصوا من تبعات معاداة السامية التي سادت تلك المجتمعات.وضع بلغ أقصى مستوياته المباشرة، مع مخيمات الاعتقال الشاقة التي أقامها النازيون وكذا الهولوكوست أو المحرقة.

قبل القرن التاسع عشر،ألمحت كتابات مجموعة من الأسماء اليهودية اللامعة في مجالها إلى حق اليهود التاريخي بخصوص العودة إلى الأراضي المقدسة المقصود بها فلسطين،بناء على مقتضيات قومية وتجسيد فكرة إعادة بني صهيون،ثم تحقيق آمال الشعب اليهودي بالعيش في وطن أجداده،بعد أن كان الأمر سابقا لأهداف محض دينية كالحج وزيارة قبور الأولياء أو إمكانية الدفن في الأرض المقدسة.

غير أنه بكيفية إجرائية واضحة،ارتبط المشروع الصهيوني عمليا بصنيع الصحفي اليهودي المجري تيودور هرتزل،الذي أصدر سنة 1896 كتابه الشهير''الدولة اليهودية''، ثم خلال السنة الموالية1897،أشرف في مدينة بال السويسرية على التئام أول مؤتمر قصد المبادرة حقا إلى استهلال أولى خطوات المشروع،إبان فترة ميزتها قضية الضابط اليهودي الفرنسي ألفريد دريفوس الذي اتُّهم بالخيانة العظمى تحت دواعي إفشائه إلى ألمانيا بأسرار عسكرية فرنسية،لكن القضاء حكم ببراءته.حادثة خلقت حماسا زائدا لدى هرتزل.   

أكَّد ملهم الحركة الصهيونية في خطاب الافتتاح،على ضرورة تأسيس وطن قومي لليهود،والانطلاق نحو تحديد أولى الخطوات العملية قصد بلورة الحلم واقعيا،بناء على ثلاث خطوات كبيرة تتمثل في : السعي نحو العمل بكل الوسائل قصد تشجيع أن يستوطن العمال اليهود الزراعيون فلسطين،تقوية الوعي القومي اليهودي،أخيرا الرهان على اكتساب الموافقة والدعم الدوليين،بحيث قصد دهاء الرجل استثمار فاعلية دعم دولة كبيرة واسعة النفوذ تؤمِّن الأراضي للمستوطنين اليهود.

السيرة الذاتية
تحميل المزيد
لا مزيد من المشاركات لاظهار